×
محافظة المنطقة الشرقية

لافروف يلتقي بزعيم حزب الشعوب التركي المعارض في موسكو

صورة الخبر

الحديث مع الفنان المستقل والمثقف، مغاير. كيف إذا كانت مكادي نحاس؛ المغنية التي تشربت منذ طفولتها، الثقافة والفن الأصيل، في كنف بيت والدها الكاتب والأديب والسياسي الأردني المعروف سالم نحاس، مُختطةً لها، مساراً جديداً في الغناء، في زمنٍ راجت فيه إغراءات صعود الأغنية التجارية، إلا أن مكادي التي عبرت بصوتها البديع كل المسافات، قررت أن تشبه ذاتها وتُعبِرَ عن وجودها الإبداعي وليس أي شيء آخر رغم كم الصعوبات وحجم تحدي البدايات، مفتتحةً مشوارها الغنائي بألبوم "كان يا مكان" عام 1997 حيث أحيت الأغنيات التراثية المغمورة، لتكون بذلك من أوائل الذين أنعشوا الغناء التراثي وساهموا مبكراً في انتشاره عربياً. مكادي التي خاضت تجربة التلحين والكتابة بنجاح كما في ألبومها "نور"؛ ترى أن مشكلتنا في العالم العربي تكمن في عدم إدراج الثقافة في أولوياتنا، معلنة أن الفن المربوط بالثقافة يهذب النفس وأن لا حل ومخرج دون إعادة النظر في الثقافة والتعليم. وحول محطات متفرقة، في تجربتها الغنائية المستقلة، جاء هذا الحوار: * لنبدأ الحوار بالسؤال عن جديدك؟ - دائماً هناك جديد، وعملٌ لإنجاز الألبوم السادس. ثمة بحث مستمر عن نصوص وعن أفكار جديدة، وهذا لا يتوقف، سيكون هنالك تعاون موسيقي مع أكثر من ملحن عربي. الكثير من الأفكار عُملت واستهلكت، مما يستدعي جهداً أكبر للبحث عن أفكار جديدة. • تعتبرين في جيلك من الأوائل الذين استعادوا الأغنيات التراثية.. كيف تنظرين لهذه التجربة؟ - بلا شك، تجربة أفخر بها، والجمهور يطالبني دوماً بإعادتها. خصوصا الألبوم العراقي "كان يا مكان". كان صداه كبيراً. كنت خائفة بعض الشيء، كونه أول ألبوم. وقد سجلته في العراق بإمكانيات جداً بسيطة، وهذا سبب لي قلقاً في مكان ما، فلم تكن هناك تقنيات عالية في الأستوديو. لكنها تجربة ظهرت بأروع ما يكون، الموسيقيون أعطوني أقصى ما لديهم. الموزع محمد أمين عزت وكل من عمل في الألبوم أعطى كل ما يملك في ذلك الوقت والظرف. وعندما صدر الألبوم طبعت فقط 100 نسخة وزعتها على الأصدقاء والأقارب. شيئاً فشيئاً بدأ ينتشر ووضع على أحد مواقع الإنترنت وسجل نسب استماع عالية. الناس كانوا يظنون أني عراقية لا أردنية. الاسم والهوية غريبة، مكادي نحاس وأظهر بألبوم عراقي. كل هذا خلق لبساً لدى الناس. نمو الأغنية المستقلة مفرح.. والروح الاستهلاكية لا تناسبني! • إلى أي مدى يؤثر عليكِ تعويد الجمهور على أن يغني المطرب أغنيات ليست له، ثم يأتي ليقدم أغانيه الخاصة؟ - الاختلاف لم يكن كبيراً، الأغنيات التي غنيتها من التراث، ومعظمها لم يكن مطروقاً، وبالتالي هي جديدة لأذن المستمع العربي. حتى أغنيات "خلخال" لم تكن مطروقة أو مستهلكة، مثل أغنية "فوق النخل" أو الأغاني السورية من حلب والتي يسمعها كل الناس. كنت دائماً أبحث عن أغنيات قليلاً ما يسمعها الناس. وأعتقد أن هذا صنع تميزاً في مكان ما. أنا أغني التراث ولكن غير مطروق، وبالتالي هي بمثابة أغنية جديدة. عندما يستمع شخص لأغنية "عمي يا بوالفانوس" أو "ليلة".. دائماً ما يبحثون عن الأصول فيجدوها في أكثر من شكل بمعنى، شكل موسيقي أو فرق في ذلك. أو المغني الأصلي، الذي للأسف لم يعد موجوداً حالياً. بالنسبة لي لم يختلف شيء، لازلت أرى أن التراث موجود ومتاح لكل الناس. في ألبوم "نور" أصبح الموضوع امتداداً لتجربتي، وهو تراكم واستمرار. لم أختلف كثيراً في "نور".. نعم الأغنيات جديدة، وفي معظمها من كلمات وألحان جديدة، لكني أعتبره تراكماً ونضوجاً وليس اختلافاً. • بداياتك في بيروت كانت صعبة، لكنك أنتِ أيضاً من اختار الأصعب، لأنكِ اتجهتِ نحو طريق الأغنية المستقلة. لماذا لم تذهبي لشركات الإنتاج والقنوات مثلاً؟!. - لا يناسبني هذا الشكل. لا يناسب بيئتي ولا تربيتي ولا أفكاري وكيف أريد أن أقدم شخصيتي. في أكثر من مناسبة عُرض عليّ من شركات إنتاج وكان آخر ما يهمهم هو الصوت وبكل بساطة وشفافية، آخر ما يسأل عنه هذا المنتج هو الصوت -تضحك ساخرةً-. حسناً، شكلكِ، شعركِ، لطيف. حسناً، اسمع صوتي يا أخي.. يجيب: لا، لا، لا داعي. هناك أمور أخرى يعتمدون عليها لم تكن لتناسبني شخصيتي بالتأكيد. كنت من أول الطريق، أعرف ما أريد فعله. ربما هذا ما دفعني إلى الصبر. لا أريد أن أغني الغناء التجاري وأكون في الملاهي. كان الخيار بالنسبة لي واضحاً. • تَشَكَل في العالم العربي تيار أغنية مستقلة، بدأ ينمو بشكل ملحوظ بعيداً عن دعم الإنتاج التجاري، كيف تنظرين لهذه الموجة؟ - جميلة ومفرحة ومهمة، كونها تجعل المشهد الثقافي المستقل يكبر والناس تلتف حوله. مؤخراً بدأ الالتفاف حول هذا الاتجاه، خصوصاً الفنان الذي لديه ما يقوله، ولن يوصله سوى عمله. المنتج التجاري سيفرض عليه أشياء لن تناسبه بل ستؤخره، ويمكن أن يفشل ولا يستمر. إذا كان العائد مادياً فحسناً، سوف يجنيه. أما إذا كان العائد فكرياً ومشواراً وتجربة وخياراً وجوديا بالنسبة لهذا الفنان فعليه أن يختار الدخول في هذا التيار المستقل. هذا الحضور للمغني المستقل مفرح، خصوصاً في العشر سنوات الأخيرة التي ظهرت وكبرت فيها "السوشل ميديا" وصار التواصل مع الفنان أسهل وأكبر وأعمال الفنان بدأت تنتشر بشكل أكبر. • ماذا عن فكرة الدعم الشعبي للفنان المستقل التي نجحت أخيراً مع البعض؟ - هذه الفكرة ولدت لدي عام 2005، وقتها كان لدي صفحة إلكترونية بها خمسون ألف شخص. وقلت: لو أن كل شخص دفع دولارا، سيصبح لدينا خمسون ألف دولار. لأكتب هذا وهكذا سيصبح لدي ألبوم. لكن وقتها الأصدقاء الذين كانوا حولي قالوا عيب وهذه "شحاذة" وهكذا، فألغيت الفكرة ولم أعملها. والآن أهم المغنيين المستقلين يعلمونها. الجميل أن هذا الوعي بدأ أيضاً ينتشر لدى الناس بأن عليهم دعم هذا النوع من الثقافة لأن شركات الإنتاج لن تقوم بهذا الدعم. • المؤسسات الثقافية في العالم العربي يعوّل عليها في الدعم ولكن يبدو أنها أيضاً تتراجع وتتأثر بتقشف الميزانيات؟ - ليس فقط ميزانيات بل هنالك تأثر بسياسات ثقافية معينة تتبعها. بالتأكيد الميزانيات تضررت، أن تكون جائزة العام خمسين ألف والعام التالي النصف ثم الربع. لأن مشكلتنا في العالم العربي أن الثقافة ليست من أولوياتنا. لو كانت الثقافة من أولوياتنا لما أصبح لدينا إرهابيون ولا صدرنا إرهابيين ولا سخافة للعالم على كل المستويات، ولما كان لدينا مشكلات اجتماعية كبيرة. الحل في العالم العربي هو أن يلتفتوا للثقافة والتعليم، هذا هو المخرج، وليس أن تحسنه اقتصادياً فقط، لأنك إذا حسنته اقتصادياً سيستخدم المال بطريقة عشوائية في غياب الثقافة. • الفن أمام الإرهاب ماذا يمكن أن يفعل؟ - الكثير.. الفن يعمل على تهذيب النفس وهنا لا أتكلم عن الفن السفيه والتجاري والذي يعتمد على الغرائز وهو آني، بل أتكلم عن الفن المربوط بالثقافة ولا ينفصل عنها. الفن يغير النفس ويفتح مداركها لآفاق أوسع. ليس الغناء فقط بل السينما المسرح، الرسم.. الخ. لابد من توجيه طاقات الشباب لكي تفرغ بشكل جمالي في المجتمعات. بأن يكون إنساناً متحضراً، قليل العنف وكثير الأخلاق والإنتاج، وهو ما يلتزم به الفن، الذي هو مهذب هام للنفس. الأمر الآخر؛ الفن يفتح أمام الفرد نوافذ لرؤية العالم والآخر وليس الانغلاق المدمر على نفسه. أن يرى الآخر بطريقة متحضرة، لا أن يرى الأوروبيات أنهن فقط فتيات جميلات، بل أن يرى الجانب الجميل في أوربا، المسرح والباليه والثقافة والأدب والتاريخ. الفنون يجب أن تكون مواد أسياسة في مدارسنا كي نقلل العنف، ونحن دائماً نطالب بتفعيل مواد التذوق الجمالي والتي تحرض على التفكير الإيجابي.