لعل أكثر موضوع يتم من خلاله مناقشة فكرة الدور الوراثي أو "الجيني" في مقابل التأثير البيئي هو بعض الأمراض التي يتشابك فيها المحوران. مثلا مرض سرطان القولون يمكنك أن تتحدث كثيرا عن الاستعداد الوراثي له وعن تطور المرض وتراكمات الطفرات داخل الخلية، ولكن لا يمكننا أن نغفل عن العادات الغذائية وعامل السن أيضا في كثير من الأحيان. دور التدخين كمسبب لسرطان الرئة معروف ومثبت علميا، كما أننا نعرف الكثير عن الجينات المعطوبة في الخلايا السرطانية وندرسها ونحاول فهمها. حين ننظر لأمراض أخرى مثل بعض الأمراض النفسية فإننا لا يمكن تجاهل العامل البيئي. كذلك في الأمراض المصاحبة للسمنة والتي لها استعداد وراثي يكون للتأثير البيئي والعادات الغذائية والشخصية دور. ولعل هذا يخبرنا ببساطة بأنه رغم أن جيناتك تصنعك وتكون كثيرا من محتويات خلايا جسمك إلا أن للبيئة دوراً. النقاش يكون واضحا حين نتحدث عن أمراض وأعراض ومسببات، لكن ماذا عن الأمور الأخرى، مثلا الصفات البشرية مثل الغضب، درجة الذكاء، التفوق الدراسي. إذا أخرجنا الأمراض الوراثية التي تؤثر على التطور العقلي تأثيرا مباشرا من الحديث لأن هذه موضوع مختلف، وتحدثنا عن الصفات البشرية سيكون النقاش حول هذه الصفات هل هي مكتسبة أو متوارثة، قد تجد أمّ تصف طفلها بأنه سريع الغضب مثل أبيه؛ وقد يتبادر لذهننا أن للغضب مورثة معروفة متناقلة في هذه العائلة - جملة معترضة؛ الميكانيكية العصبية للغضب ومساره في الدماغ قد نتطرق له في موضوع آخر- قد نفهم من كلام الأم وملاحظات العائلة أن الطفل ورث الغضب من أبيه بينما قد يكون الامر مجرد عادة مكتسبة نتيجة التربية والبيئة العائلية حيث تنعكس على تصرفات الطفل. أشياء كثيرة تكوننا قد نحتار في تفسيرها؛ هل هي مكتسبة أم موروثة أم مزيج بين الاثنين، كما قلت لكم التفسير الأحادي لأمور معقدة لا يكفي؛ لذلك يتحدث العلماء عن الاستعداد الوراثي والتأثير البيئي والعلاقات بين الموروثات المخلتفة في محاولة للبحث عن تفسير للغز اسمه "الإنسان".