هذا كتاب لا يغير ملامحك وأنت تقرأه بل يغير ملامح أحلامك.. تفاصيل وأحداث إن تعاملت معها بقلبك وليس بعينيك سترسم جغرافيا جديدة لحياتك وطرقا جديدة لقدمك.. هذا كتاب صحوة موت شعب وإنقاذ أمة، كتبه الدكتور «مهاتير محمد علي» عن 22 عاما قضاها رئيسا لوزراء ماليزيا.. مر بها بتجربة نضالية صعبة لتحويل وطنه من بلد زراعي مهمش وفقير إلى بلد صناعي متقدم وفاعل إقليميا ومحرر سياسيا واقتصاديا من الهيمنة الغربية.. أوراق تقلبها فتشتم فيها رائحة ماضي ماليزيا وحاضرها.. يعيد إليك الزمن بطقوسه.. بسويعاته.. بذكرياته.. بأناس قاسموا «مهاتير» يوما كل شيء حتى أنفاسه.. رجل يكتب فيكشف لنا حتى المستور ويستعرض امامنا صفحات سوداء تفنن في جعلها بيضاء ليس تلميعا بل جعلها حقيقة بريقا من الماس وبياضا من اللؤلؤ الطبيعي. نبرة صوت النجاح تعلو في الكتاب من الصفحة الأولى يقول «أنت لست في حاجة إلى مهندس معماري ولا إلى مصمم مناظر طبيعية لتمتلك أفكارا متصلة بتطوير مدينة، من ناحيتي ما من مرة سافرت فيها إلى مدن أخرى إلا ودونت ملاحظات عن حسن تنظيمها وتحضرها ونظافتها. لم أجد سببا لاستحالة أن تكون «كوالالمبور» مثلها، أنت لن تجد أحدا في «كوالالمبور» لا يرغب في العيش في محيط جميل، فتلك رغبة طبيعية بالتأكيد.. متسلحا بهذه الملاحظات والأفكار، عزمت على تقديم اقتراحات للمحافظة على المدينة وتفطنت إلى وجود الفساد في دار «البلدية» ولذلك أصدرت تحذيرا صريحا بأني سأنزل أشد العقاب بكل من يتورط بصفقات مريبة. عرفت أن قطع دابر الفساد لن يكون سهلا، لكن «داتوك بندر» استقال عقب تحذيري، واستطعت تعيين رئيس بلدية جديد وإقناعه بالحاجة إلى زيادة الكفاءة ومن هنا أصبحت «كوالالمبور» من أجمل المدن». يستمر يتحدث كحلم أخضر بلون الأشجار ويستعرض أحلاما بنقاء الماء وخيال باتساع السماء يقول «انتفعت بدارسة الطب عندما تعاطيت مع المشاكل التي تواجه الإدارة، أن إدارة البلاد لا تقتصر على المناقشات البرلمانية وسن القوانين، ولكنها تشتمل كذلك على علاج الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والإجراءات المتبعة هنا تشبه إجراءات العلاج الطبي من حيث المبدأ على الأقل».. يستمر «مهاتير» في تثبيت تلفازه بين حيطان أعيننا ويدعونا أن نعبث بقنواته ونتابع ملامح حياته السياسية يقول «لدي إيمان راسخ بممارسة القيادة من خلال القدوة، لم آخذ طوال السنوات الاثنتين والعشرين التي عملت فيها رئيسا للوزراء الإجازة التي تستحق لي كاملة، وعندما كنت أعود من زيارات خارجية أتوجه إلى مكتبي في اليوم نفسه، كانت ساعات عملي أطول من ساعات عمل أغلبية الموظفين الحكوميين والوزراء. كنت أجد متعة في العمل بكل بساطة واكثر ما كنت أتطلع إليه هو رؤية ثمرات أفكاري وسياساتي وتوجهاتي، ولقد تبلور ما لمحته في مخيلتي وأصبح حقيقة.. كلما اجتهدت في العمل حصلت على النتائج في وقت مبكر». يستمر في كشف أغطية سلاله القديمة ويعبث في البومات صوره العتيقة يقول «كانت سنغافورا أكبر مدينة زرتها إلى ذلك الحين وبدا كل شيء فيها ضخما باهرا وعندما ذهبت لتسجيل نفسي كطالب مررت بجوار المشفى العام الذي يتوسط آلاف الأمتار المربعة من الأرض المتموجة.. انتصبت فوقي الأعمدة اليونانية التي شكلت واجهة مبنى كلية شامخة ولم أفكر في شيء سوى انني سأصبح طبيبا وسأكون مثل الرجل الذي أتى إلى منزلي ومعه حقيبة كبيرة لرؤية شقيقتي التي تعاني من مرض الربو.. حقنة واحدة تنهي معاناتها.. سأتعلم الآن فعل الشيء نفسه». يتكلم عن ماليزيا ككتاب العمر المفتوح بلا أغلفة.. يتحدث عن أماكن سترت بكاء قلبه يوما، يتحدث عن الحرب فتشعر بالغصة تتسلل إلى أعماقك، وتشعر بالمرارة تستقر في فمك.. يتحدث عن فظاعات ارتكبها الجنود اليابانيون وكيف كانت الطريقة المفضلة لدى الشرطة العسكرية اليابانية في التعذيب.. كان ضخ الماء عنوة بواسطة مضخة عالية الضغط في فم المعتقل فتتمدد معدته، ثم يضرب السجين على معدته لتفريغها من الماء، وبعد بضع مرات يعترف المعتقل بالتأكيد إذا لم يكن قد مات.. ينتقل إلى اعتراف ابيض عن زوجته الطالبة في كلية الطب التي التقى بها، ذات الضفيرتين، التي تشبه كثيرا النموذج المصغر لأخلاقه، التي سهرت معه ليالي طويلة وخلطت التراب بالفحم لتجعل من أيام ماليزيا ماسا ناصع الجمال، يتحدث عن جدته التي ما زال يحتفظ بصوتها في أذنه ويبحث عن عطرها في كفي يديه، يتحدث عن أصدقاء طلو معه جدران الصداقة باللون الأبيض وجنوا معه الثمار التي تم غرسها معا، وظلوا عظماء شامخي القامة رغم انحناء الزمن. كتاب جميل كتبه رجل له قدرة كبيرة على تحقيق النجاح، يتمتع بقدرة الاغتسال بماء الأماني، والقدرة على الحلم والانغماس فيه إلى آخر قطرة، رجل يشعرك بأن هناك اختراعا عظيما يدعى تحويل الحلم والخيال إلى واقع، حيث حول أيام إدارته في حكم ماليزيا إلى طوق نجاة.. رجل أحب بلاده وأخلص لها بعنف.. عشقها في السر وتعلق بها في الخفاء، وأعلن سر نجاحه في قيادتها في العلن جاعلا من «كوالالمبور» مدينة كقطعة من الضوء كاملة الفرح!!.