تعود بداية العلاقة الاستراتيجية الأمريكية -السعودية إلى اللقاء الشهير بين الرئيس روزفلت والعاهل السعودي عبد العزيز آل سعود في العام ١٩٤٥ على ظهر السفينة يو.أس.أس. كوينسي. لكن كان ينبغي انتظار أواخر ستينات القرن المنصرم حتى يحل النفوذ الأمريكي مكان البريطاني في الخليج. ومنذ ذلك الوقت سلكت هذه العلاقة سبيل التطور على وقع الأزمات والانفراجات، وآخرها تفجيرات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية التي دفعت بالمحافظين الجدد الأمريكيين إلى التطاول على المملكة السعودية بعبارات علنية مباشرة. وبعد أن تمكن الرئيس أوباما من ترميم هذه العلاقة جاءت تداعيات الربيع العربي والمفاوضات مع إيران ، لتتسبب بتوتر غير مسبوق وصل إلى ذروته مع التوقيع على الاتفاق النووي. فهل يكون هذا الأخير سبباً لإعادة تموضع استراتيجي في منطقة الخليج العربي أم تنجح الرياض وواشنطن في تجاوزه والإبقاء على العلاقة الاستراتيجية القائمة بينهما؟. في الحقيقة من الصعوبة بمكان العثور على أسباب حقيقية تدفع الولايات المتحدة لأن تضحي بعلاقاتها الاستراتيجية القديمة مع السعودية ودول الخليج العربي على قربان العلاقة مع إيران والتي ستكون مشوبة بحذر تعبر عنه استطلاعات الرأي في أمريكا مثل ذلك الذي أجرته مؤسسة بيو في يوليو/تموز الماضي. والأمريكيون، في أحسن الأحوال، يفضلون حصول تقارب سعودي-إيراني يسمح لهم بتدعيم استراتيجيتهم في الخليج العربي على أساسين أو عمودين، كما كانت عليه الحال في سبعينات القرن المنصرم. الاتفاق النووي لا يجعل من إيران حليفاً للولايات المتحدة والغرب، وإذا حدث مثل هذا التحالف فسيكون ظرفياً متغيراً، في مواجهة داعش على سبيل المثال، وليس حلفاً بنيوياً كما هو الحال مع السعودية. أوباما مقتنع منذ العام ٢٠٠٩ بأن إقفال الملف النووي الإيراني يلبي مصلحة أمريكية، وقد سجل انتصاراً على الجمهوريين في هذه المسألة، وهم ينظرون إلى الأمر من هذا المنظور بعد إخفاقهم في منع الكونغرس من التصديق عليه في سبتمبر/أيلول الماضي. يقول شارل-فيليب دافيد، وهو باحث فرنسي متخصص بالخليج العربي، إن انتهاء العلاقة الأمريكية-السعودية يوازي في أهميته انتهاء حلف الأطلسي على سبيل المثال. فحتى لو كانت السعودية حليفاً صعباً إلا أنها تبقى مهمة جداً. هناك من يقول إن استغناء واشنطن عن النفط العربي، كونها وصلت إلى مستوى الاكتفاء الذاتي وربما التصدير مستقبلاً، سوف يهدم العماد الذي قامت عليه علاقتها مع الرياض، وبأننا إزاء "تغير اللعبة" الذي يحتم إعادة تعريف المصلحة الأمريكية في الخليج. لكن السؤال ما البديل عندئذ عن الحليف السعودي؟ إيران لا تشكل بديلاً في الأفق المنظور على الأقل. وفي نظر الأمريكيين فإن الرياض تساهم في الاستقرار الإقليمي، من هنا موافقتهم على الأقل، على عملية عاصفة الحزم في اليمن. ولا يفوت المراقب ملاحظة أنه بعد توقيع الاتفاق النووي فإن وضع حلفاء إيران في اليمن شرع في التراجع وليس التقدم. وعلى العكس فإن حلفاء السعودية تقدموا عسكرياً على حساب الحوثيين من دون أن تتمكن إيران من التدخل لإنقاذهم. كذلك فإن التدخل العسكري الروسي في سوريا لا يمكن إلا أن يكون على حساب النفوذ الإيراني على الرغم من الإعلانات المتكررة من الروس والإيرانيين عن الاتفاق الكامل فيما بينهم. عندما تحضر الدول العظمى فإن نفوذ الدول الإقليمية، ولو المتحالفة مع هذه الأخيرة، لا بد أن يضمر ولو نسبياً مع احتمال نشوب خلافات بين الحليفين حول مستقبل الحل السلمي في سوريا. اليوم بدأنا نسمع عن تحالف، بحسب تعبير بوتين نفسه، بين موسكو وباريس بعد تعرض هذه الأخيرة إلى تفجيرات إرهابية في ١٣ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. كما أن ثمة إشارات أمريكية وغربية تنم عن الرضا عن التدخل الروسي والمساعي الروسية لحل سلمي في سوريا. ويبدو مرجحاً أن مستقبل سوريا وبالتالي منطقة الشرق الأوسط بكاملها بات وقفاً على اتفاق بين الدولتين الكبيرتين، الأمر الذي لا يترك متسعاً من المكان لتنامي النفوذ الإيراني. في ١٤ مايو/أيار الماضي دعا الرئيس أوباما قادة مجلس التعاون الخليجي إلى كامب ديفيد من أجل طمأنتهم وتأكيد التحالف معهم في ظروف المفاوضات مع إيران واقتراب التوصل إلى اتفاق معها. وفي ٤سبتمبر/أيلول الماضي زار العاهل السعودي سلمان واشنطن واتفق مع أوباما على تدعيم العلاقات بين البلدين. وبالطبع كانت هناك لقاءات مع قادة خليجيين على هامش الدورة الأخيرة للأمم المتحدة. ورغم أنه لم تنبثق عن هذه اللقاءات اتفاقات جديدة إلا أن مجرد حدوثها يعكس حرصاً أمريكياً على طمأنة دول الخليج العربية وتأكيد استمرار العلاقة القائمة معها. أوباما يمارس دبلوماسية اللحظة، كما هو عليه حاله مع سوريا وغير ملف في الشرق الأوسط وحتى العالم. هذه هي طريقته والتي على الأرجح أن تتغير مع الإدارة الجديدة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.