لم تكن صورة العمل الخيري السعودي في الخارج مثالية، لم يكن مؤسساتياً، إذ غلب عليه طابع الارتجال وعدم الانتظام وفق خطط واستراتيجيات بعيدة المدى، لكنه مع كل هذا كان حاضراً، وفي هذا الحضور طغت الاحتفالية، تجدر الإشارة أيضاً إلى أن التوظيف في هذا القطاع بُني على الثقة لا الكفاءة والحديث في هذا يطول، كما أنه لم يجرِ تقييم مستمر للعمل الخيري في الخارج «كما الداخل»، لتصحيح المسار وتعظيم الإيجابيات والقضاء على السلبيات، عدم التقييم المستمر لمسار أي مشروع أو برنامج هو من أخطائنا الإدارية. بعد أحداث 11 سبتمبر وربط الإسلام وسعوديين بالاعتداءات حصل انكفاء اضطراري، نجحت السياسة السعودية في تقليص الخسائر، لكن الثمن في المدى القصير دفعه العمل الخيري كما دفعته السياسة، على المدى الطويل تضرر الحضور السعودي في الخارج في دول إسلامية وغير إسلامية، هذا الفراغ وجد من يستغله، مع التقهقر غير المنظم كان هناك من يتقدم. من نافلة القول أن الأعمال الإغاثية والخيرية التي تقوم بها الدول هي من وسائل الحضور والتأثير والجذب، تتجاوز دهاليز الديبلوماسية إلى الميادين الشعبية. وقتها كتبت مطالباً بعدم التفريط بخبرات متراكمة لتجربة ثرية بكل ما رافقها من أخطاء وثغرات، أيضاً رأسمال ضخم تم استثماره، لكن تلك المطالبة لم تجد أذناً صاغية. تبعثر الرصيد. ومن الشواهد على طابع الارتجالية والتراجع غير المنظم، أن القضايا التي رفعت على مؤسسات وأشخاص وبنوك سعودية في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر لم تواجَه بفريق متمكّن واحد، طبقت العبارة الشهيرة... على المتضرر اللجوء إلى إمكاناته الذاتية، ولا يزال الوضع كما كان. المساعدات التي تقدمها السعودية لدول أخرى/ عربية/ إسلامية/ أو صديقة سواء في ظروف الأزمات أم في الأحوال العادية لا تختلف كثيراً عما سبق، لذلك يكون الأثر ضعيفاً وقتياً ويتبخر بعد فترة زمنية وجيزة. في تقديري أن انكفاء العمل الخيري السعودي ليس إلا وجهاً من وجوه الانكفاء السياسي. ما الذي نحتاجه؟ نحتاج إلى إعادة تقييم الوضع لإعادة الصياغة، كما في السياسة الداخلية والخارجية في العمل الخيري أيضاً فهو من أدواتهما، لا بد من أن يعود للانطلاق وفق رؤية أفضل مع الاستفادة من الأخطاء السابقة وهذه نقطة جوهرية، لكن هذا لن يتم إلا بمأسسة العمل الخيري في الداخل أولاً بمزيد من الشفافية والمحاسبة، مع تقديم الكفاءة على الثقة والتزكية. www.asuwayed.com