×
محافظة المنطقة الشرقية

مبعوث الأمم المتحدة: اتفاق أطراف الصراع الليبي على توقيع اتفاق في 16 ديسمبر

صورة الخبر

الاعتراف هذه المعجزة الصغرى للذاكرة السعيدة التي قدمها بول روكر في محاضراته التي نشرها في كتاب تخبر بما آل إليه فكره من سعة التلقي وانتشاره، وتمت ترجمته إلى عدة لغات. وفي هذا الكتاب معان متقدمة وتشكيل لغوي كثيف متراكم الطبقات متراتب الأجناس القولية والبلاغية كما قيل عنه، وحجة الكتاب تكمن بين صيغة المعلوم وصيغة المجهول والأبعاد الممكنة في "سيرة الاعتراف". لا يستطيع أي فرد إنكار الأساس النظري لمفهوم الاعتراف بشكل عام أو بالشكل التحليلي الذي تطرق له الفلاسفة والعلماء باعتباره محور الصراع بين الذوات وذلك من خلال جدلية هذه الفلسفة الاجتماعية في نزع الاعتراف من الطرف الآخر. ولو تجاهلنا جميع فلسفات الاعتراف والأقوال والأمثال والحِكم التي توارثها الأجيال وتواترت الأقوال فيها: أن الاعتراف سيد الأدلة، والاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتراف بالخطيئة نصف التوبة، عبارات أخلاقية متعددة بمختلف الأشكال والالوان، ولكنها غير مفعّلة، وإنما هي عبارات جديرة بزرع المثالية على مشارف المجتمعات وتجاوز الأفق الغائم في حياة الناس، وتعتبر إنكارا للمعنى الحقيقي لها لأنها لا تطبق، وهذه الأقوال ما هي إلا لملمة لشتات الأخطاء والتبعثر الذي خلفه التمادي دون ضبط شروط التمييز بين الصادق والكاذب. إن تنظيم أغراض الحياة الاجتماعية ضرورة ملحة ويتعين أخذها في الحسبان، فكل مسؤول لو اعترف بالتقصير في أدائه لتغيرت النتائج، وكذلك الحال مع الموظف لو أعاد ترتيب العلاقة بينه وبين الناس وسائر الأشياء الفعلية التي بمقتضاها يبني حياته ومستقبله وأخلاقة العملية والإدارية، لساهم بشكل مباشر في تيسير الانتقال من إشكالية الاعتراف إلى تخليصها من ضمير الكلام إلى الفعل. فالمسؤولية تقوم على الإيفاء بوصفه اعترافاً ومفتاحاً للعطاء، لا سيما أن التغيرات التي حدثت في المجتمع صنفت النتائج وفق عناصرها، وبلغت مبلغ اليقين حيث استشرى الفساد وأصبح صفة مشتركة لذلك لبس العامل ثياباً أكبر حجماً ولم يفطن إلى شدة اختلافها عن المألوف، وهو ماحدث في التكوين العصري للمجتمعات بمعناه الحقيقي، ويأتي الاعتراف انطلاقا من أسباب موضوعية لمواجهة المغالطات، وما أحوج أمتنا إلى هذه الثقافة التي تشيد جسورا عالية لكي تتجاوز المنعطفات الخطرة التي تقابلها. قد يخامرنا شك بأن الاعترافات ضعف، ومجرد حيلة لإعادة الزمن الضائع إلى مبدأ التجانس الذي ينص عليه الواقع التقني وسلطة الافراد في المجتمعات الصناعية أحادية البعد، التي ينصهر فيها الفرد في الانتاج والاستهلاك ويعتبر ما دون ذلك خارج إطار اعتباره. ولعلي أربط هنا في آخر المطاف بين الفساد وتسلسل الأخطاء والتقصير التي باعدت بين الحاضر والماضي، فجعلت من هذا الحاضر مسألة شائكة تغوص في عمق التناقض، وتشكيل علاقات أفقية تتجاوز البناء المطلوب والأساس المؤلف للأشياء، فيقول ابن القيم: "إن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم لا تكون مع الجهل بالذنوب، ولا مع الإصرار عليها، فإن الأول جهل ينافي معرفة الهدى، والثاني: غي ينافي قصده وإرادته، فلذلك لا تصح التوبة إلا من بعد معرفة الذنب والاعتراف به وطلب التخلص من سوء عاقبته أولًا وآخرًا" (مدارج السالكين).