في منطقتنا الخليجية هناك شبه اتفاق من أعلى الهرم إلى قاعدته بشأن أمرين. الأول: هجمة إيران العدوانية على منطقتنا، والتي نرى آثارها في العراق وسورية والبحرين واليمن، وفي بلدنا الحبيب، وآخرها التهجم السمج وغير المستساغ على دولتنا بسبب حادثة التدافع بمنى. والثاني: تخاذل حلفائنا عن نصرتنا، ونقصد على وجه الخصوص أميركا. يكاد، أيضا يكون هناك شبه إجماع بأن ما تفعله إيران ما هو إلا حقد دفين بسبب ما تلقوه من أجدادنا يوم قوضوا إمبراطوريتهم الفارسية. ولكن بتتبعي للمقالات الرصينة التي تتطرق للتخاذل الأميركي وجدتها في المعظم تستغرب فقط هذا الموقف، وتحذر بأن ضرره سيلحق بأميركا نفسها. نستطيع أن نستنتج مما سبق، أن الماضي هو المشكِّل الرئيسي لـ"أنا إيران الجمعية". وبحسب مؤلف كتاب الأرض الجديدة (إكهارت تولي) فإن حاجة "الأنا الجمعية" لدى الإيرانيين هي التي تجعلهم يدمنون على لعب دور الضحية وخلق الأعداء، ومن هذا بكاؤهم المستمر والمتشنج على مقتل الحسين وكأنه قد قتل بالأمس. الآن يبدو لي كل شيء واضحا وجليا، فـ"الأنا الجمعية الإيرانية"، والتي قد تشكلت بدرجة كبيرة من أحداث الماضي، ترى فينا الظالم لهم والمخطئ في حقهم، هذا المغذي شعور مكبوت بسبب زوال إمبراطوريتهم. أما الغرب، فإنني من خلال 3 كتب نشرت بعد انتهاء ما سمي بالحرب الباردة، أستطيع أن أدعي (فقط ادعاء) تفسيرا لتخاذلهم المزعوم. الأول: نهاية التاريخ، لفرانسيس فوكوياما، والثاني: صدام الحضارات لصامويل هنتينجتون، والثالث: سيارة الليكزس وشجرة الزيتون لتوماس فريدمان. ورسائل الكتب الثلاثة مدمجة تقول: إن نهاية التاريخ في هذه اللحظة من الزمن بوصول الدول المتقدمة إلى ما يسمى بالنظام العالمي الجديد: العولمة أدت باتجاه الضغط على الأنظمة التي لم تتبع هذا النظام الجديد بعد، ضغطا ظهر على شكل صراعات داخل الدولة الواحدة (مصر وتونس) وصراع بين طوائف (سنة مقابل شيعة). إذًا فالقوم واضحون في أفكارهم حول التغير في سياستهم الناتج عن التغير في واقع الحال، بل ويعلنونها صريحة أنه يسعدهم أن نكون جزءا من هذا النظام الكوني، ولا أدل على ذلك بأن تُعطى جائزة نوبل للسلام أخيرا للوساطة الرباعية في الحوار الوطني في تونس. ولأننا كشعوب منطقة قاطبة قد تماهينا مع أفكار تقاوم التغيير وتحاربه وتسد جميع نوافذ العقل كيلا يستقبل أي جديد غير ما هو موجود به من الأساس، فإن "الأنا" التي لدينا هي التي تفسر وتحلل وتعترض وتجيز وتمنع. هذا العقل الأنوي يفسر سياسات الدول الحليفة على أنها تخاذل. هذا المنطق يظهر جليا من الحوار الذي دار بين توماس فريدمان وأحد رؤساء الوزراء الجزائريين السابقين، الحوار الذي دار في 1997 أثناء انعقاد مؤتمر: العولمة والعالم العربي، في المغرب (ص 490-492). أن درجة عمى (لا وعي) الشخص (الأمة) يمكن تحديدها من خلال درجة وضوح معرفة مصالحه الآنية. ولهذا أجزم بأن ما لدينا من عمى لا يحجب عنا سوى منظر بسيط من المنظر الكلي، أما ما لدى إيران (حكومة وشعبا) فإنه يحجب كل المنظر. ولأن الأعمى يبدو للواعي كما لو كان حصان طروادة، فإن البعض منا ذهب إلى حد اتهام حلفائنا بالتآمر مع إيران ضدنا، لتدميرنا ولتفتيت دولنا. للخروج من هذا المأزق التاريخي، نعول نحن السعوديين كثيرا على ملكنا الحازم، سلمان بن عبدالعزيز، ونرى أنه قد واجه خطر إيران الداهم من جهة اليمن، مما جعل طهران تفقد توازنها وغشيت تترنح من هول اللكمة، وهو بما يملكه من حزم ومن بصيرة ثاقبة قادر أن يقود هجومنا القادم على الخطر اللاحق من دواعش وقاعدة وغيرهم. هذا الانتصار لم يكن ليتحقق لو لم تولي الدولة العناية الفائقة بتنمية قدرات الجندي السعودي. كذلك فإن خطوة سلمان الحزم الأخيرة المتمثلة في السماح للشركات العالمية بالاستثمار في الأسواق السعودية؛ خطوة مهمة نحو الالتحاق بالنظام العالمي، ولتحقيق نفس الغرض، فإنه من المهم إكمال مسيرة الاستثمار في تنمية قدرات ومهارات المواطن السعودي وتزويده بكل التقنيات الحديثة، وذلك من خلال الاستثمار في التعليم الداخلي وتطويره، ومن خلال الاستمرار في الابتعاث الخارجي. وقبل كل ما سبق، لأن ديننا الحنيف دين الفطرة، فالرجوع إليه، إضافة إلى الاهتمام بثقافة الناشئة، سيخلق منا مسلمين سليمي الفطرة خالين من العقد، نحب الخير ونسهم في ما يفيد البشرية جمعاء.