هناك أسئلة في السياسة تبدأ على استحياء وبصوت أقرب إلى الهمس، منها السؤال المتعلق بالحرب الدائرة الآن على الإرهاب؛ وجدوى وابل القصف الجوي على داعش. بدأ هذا السؤال مع إعلان الولايات المتحدة أن حرباً كهذه قد تستغرق ثلاث سنوات، وما إن انضمت الطائرات البريطانية إلى الحرب، وحلقت في سماء سوريا؛ حتى أصبح السؤال أكثر إلحاحاً، فما الذي تقصفه هذه الطائرات من مختلف الجنسيات؟ وكيف لم تستطع إنجاز ما يمكن الإركان إليه بأن داعش أصبحت على وشك النهاية. ولا يُطرح هذا السؤال المحير بالعربية فقط، فقد سمعناه بالفرنسية والإنجليزية والألمانية، لكن من يتساءلون ليس لديهم ما يكفي من المعلومات لتوقع مفاجآت وشيكة لهذه الحرب. وهناك من الأوروبيين من عاد مجدداً إلى تعريف الإرهاب؛ كما فعل الكاتب ألن غريش رئيس التحرير السابق لصحيفة لوموند دبلوماتيك الفرنسية. وبعض الأسئلة قدر تعلقها بالسياسة وشجونها ومراوغاتها تبدو كما لو أنها استنكارية، أي توحي بالإجابة، خصوصاً إذا أضاف البعض إلى السؤال علامة تعجب من عدم تقديم المشاهد الميدانية لهذه الحرب. كاتب أوروبي آخر وصف سماء سوريا بأنها أشبه بمعرض للطائرات الحربية، فهل هي بالفعل كذلك؟ أم أنها ليست للعرض فقط. داعش بما آلت إليه سواء من حيث المساحة الجغرافية أو عدد الأفراد والتقنية المتطورة أكثر من مجرد منظمة إرهابية، لكنها بالتأكيد ليست دولة، حتى لو رفعت علماً وأصدرت عملة خاصة بها، وشكلت محاكم ميدانية؛ غالباً ما تنتهي إلى الإعدام، ولا تقبل النقض أو حتى الاستئناف. فهل ثمة لُغز ما سيُكشف عنه بمرور الأيام؟ وإذا صدقنا المثل القائل: عدو عدوي هو حليفي، فإن ما حصدته داعش من الأعداء يشمل خطوط الطول والعرض السياسية لتضاريس هذا الكوكب. وهذا بحد ذاته يرشح أطرافاً أخرى للانضمام إلى الحرب المعلنة عليها، وما نجح فيه رئيس الوزراء البريطاني بعد عدة محاولات للحصول على موافقة برلمان بلاده، قد ينجح فيه آخرون، وإذا بلغ هذا التحالف ذروته؛ فإن السؤال حول جدوى القصف الجوي لن يتراجع، وربما تصاعدت نبرته ووتيرته، والمسألة أبعد من التشكيك في النوايا أو الاستراتيجيات لهذه الدولة أو تلك، لأن هناك حسابات وقراءات مختلفة للمشهد الدولي برمته. والمقولة الشهيرة عن الإرهاب كونه يتغذى كالذباب من مبيداته ليست مجرد دعابة؛ وتستحق النقاش.