هذه السلسلة من المقالات أشبه بوثيقة تاريخية، تكشف مهارات الذين مضوا من آبائنا وأجدادنا.. مهاراتهم في صيد وتجميع وتخزين مياه الأمطار تؤسس لما اسميه (علم إدارة مياه الأمطار في المناطق الجافة). لمعرفة معالم وملامح هذا العلم، وثق كاتبكم أربعة عناصر رئيسية لجذوره في الدرع العربي.. بإيقاظها نستطيع تخزين أكثر من (40) مليار متر مكعب سنويا من مياه الأمطار.. تحقق زراعة مستدامة. مهارات يعوّل عليها لرسم طريق مستقبل أمننا المائي والغذائي. حدد كاتبكم العناصر الأربعة في مقالاته السابقة، كالتالي: [الاستنتاجات والتفسيرات العلمية]؛ [الهياكل وتطبيقات وأنظمة إدارة ماء المطر واستثماره]؛ [الأنظمة وهياكل تطبيقات ممرات مياه الأمطار (السيول)]؛ و[الملاحظات حول أوضاع هذه الأنظمة المائية والزراعية التقليدية]. عناصر تنبئ عن واقع منظومة تتعلق بهندسة البيئة، لحياة تعتمد كليا على المطر كمورد ماء لا ينضب. مازال الحديث عن العنصر الأول: [الاستنتاجات والتفسيرات العلمية].. تحت هذا العنصر (6) عناوين: (فلسفة إنسان الدرع العربي في إدارة مياه الأمطار)؛ (إستراتيجية النظرة أو الرؤية لماء المطر)؛ (مفهوم إدارة مياه الأمطار)؛ (متطلبات إدارة مياه الأمطار)؛ (معرفة وفهم البيئة)؛ (تخطيط البيئة). تحدثنا عن خمسة عناوين في المقالات السابقة. اليوم نتحدث عن العنوان السادس: (تخطيط البيئة). صنّف إنسان مناطق الدرع العربي بيئته إلى فئتين.. كل فئة تحقق نجاحا مستقلا بهياكل مستقلة، لتحقيق نجاح إدارة مياه الأمطار.. الفئة الأولى: (مساحات لا تزرع).. الفئة الثانية: (مساحات زراعية قائمة). تستخدم المساحات التي لا تزرع للرعي.. بعض منها قابل للاستصلاح الزراعي المستقبلي. الأجزاء التي لا يمكن استصلاحها زراعيا مخصصة لبناء المستوطنات وللمرافق المساندة للحياة. تعود ملكية المساحات التي لا تزرع لثلاث جهات: جزء مملوك للفرد. جزء مملوك للجماعة (أهل القرية، المستوطنة). جزء مملوك للجماعات (أهالي كل قرى القبيلة الواحدة). كل جزء من الأرض بوظيفة محددة ومعروفة للجميع.. خاضعة لإدارة مياه الأمطار.. معها يصبح الفرد مسئولا عن ملكيته. أهالي القرية بشكلهم الجمعي مسئولين عن ملكيتهم. أيضا جميع أفراد القبيلة بشكلهم العام مسئولين عن ممتلكات القبيلة. هذا يعني توزيع مستويات إدارة مياه الأمطار على الجميع. هناك مستويات يمكن للفرد تنفيذها بنفسه. هناك مستويات من العمل تحتاج إلى عمل جماعي صغير (أهالي القرية الواحدة). هناك مستوى من العمل الإداري يحتاج إلى عمل جماعات (وتمثله القبيلة بكل افرادها وقراها). بهذا يتحقق نجاح إدارة مياه الأمطار وفقا لهذه المستويات الثلاثة. ثاني هذا التصنيف: (المساحات الزراعية القائمة). يملكها الأفراد فقط. هذا يعني أن كل فرد يملك أرضا زراعية.. تمثل انتماءه.. هويته.. تاريخه.. جذوره.. ولاءه. هناك نوعان من المساحات الزراعية القائمة.. الأول: (مساحات زراعية مروية). الثاني: (مساحات زراعية غير مروية). هذه المساحات تشكل الأساس للزراعة الجافة.. (تسمية لكل أنواع الزراعات في الدرع العربي.. المروية وغير المروية.. زراعة تعتمد على مياه الأمطار. أرجو ملاحظة أن مصطلح (الزراعة الجافة) اسم أطلقه كاتبكم على الزراعة في مناطق الدرع العربي.. لم اسمع بالزراعة الجافة من قبل.. وقد أكون بهذا قد أطلقت أو قدمت مصطلحا جديدا في علم الزراعة المحلية. للمساحات الزراعية المروية هياكل إدارية خاصة، تشكل جزءا من استثمار مياه الأمطار. هذه الهياكل تحقق استمرار الري في جميع أوقات السنة.. (تعريف الري هنا يعني إضافة الماء للنبات بجهد بشري).. هياكلها تعتمد على إدارة مياه الأمطار التي يتم خزنها في بطن الأرض.. بهدف استثمارها على المدى الطويل.. هذه المياه تسمى علميا (المياه الجوفية المتجددة).. تتأثر بنزول وانحباس المطر. هذه المياه أساس الزراعة المستدامة في ثانيا: (المساحات الزراعية غير المروية). تسمى في منطقة الباحة بـ(العثّري).. مازلت أذكر سؤال الدكتور (أبا حسين) الذي أجرى معي مقابلة قبولي في كلية الزراعة: ماذا تسمون الزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار في منطقتكم؟ أجبته: (العثّري). تعجب من الاسم. قال: هذه تسمية ممتازة.. قد يتعثّر نجاح زراعتها. هذا النوع من الزراعة يعتمد بشكل مباشر على مياه الأمطار.. لها مستوى خاص من هياكل إدارة مياه الأمطار.. من أجل تحقيق نجاح الزراعة الجافة.. وأيضا لتعظيم الاستفادة من مياه الأمطار. لهذا النّوع من الزراعة حبوب قمح خاصة تنجح زراعتها بمطرة واحدة. حبوب منتخبة عبر القرون.. يتم توارثها جيلا بعد آخر. ويستمر المقال بعنوان آخر.