زعزعت الحرب الجزائرية حياة الكاتب الفرنسي جان نويل بانكرازي عضو جائزة رونودو وأحد أهم الروائيين الفرنسيين الحاليين. كان الروائي شاهدا على مأساة حقيقية عاشها في طفولته. وبعد خمسين عاما يحكي الكاتب في روايته «الجبل» ما عاشه حقيقة. سرد جارح ومؤلم عن ذكريات الحروب التي لا تندمل أبدا. كتب جان نويل بانكرازي رواية بديعة عن جبل من الذكريات. لهذا كان من الضروري أن يباشر طريقا صعبا ، وصعودا مؤلما ولكنه حتمي لكل نهاية اضطرارية وبداية مفترضة. رحلة شاقة إلى أعماق ذاكرة قلقة ومضطربة من سلسلة ذكريات طفولة مؤلمة لطالما بصمت حياته كإنسان وكاتب. هناك في الجزائر وبالضبط في «برج بوعريريج» بدأت حكاية الرواية. بطلها طفل في الثامنة من العمر ولد بقرية صغيرة في الجزائر عام 1949 خلال الحرب في الجزائر. تنطلق الرواية في سردها من لحظة ما بعد ظهيرة يوم هادئ من شهر يونيو، حينما توقفت الهجمات قليلا، لحظة من السلام تقريبا ... كان طفلا صغيرا يلعب مع أصدقائه في ساحة المطحنة. ثم صعدوا إلى خلفية الشاحنة، سعداء، واثقين، مبتهجين لأن السائق عرض عليهم اصطحابهم إلى هناك، حيث الجبل الذي كان وجهة محظورة. كانوا يعتقدون، أن الجبل مليء بوديان من الجعران والكنوز المدفونة والمحاربين . لكنه تخلف عنهم، لأنه رفض اقتراح السائق، واكتفى بمشاهدة رفاقه الستة الصغار يرحلون وهم يجلسون في خلفية الشاحنة. وحيدا وسط الطاحونة الشاغرة من العمال ساعة القيلولة، مكث ينتظر طويلا جدا، حتى المساء، حينما هبت رياح باردة وجليدية من جبل أوراس، في هذا الجبل ذي الصخور السوداء عثروا على الأطفال الستة مقتولين. بعد ذلك، تعالى الصراخ والبكاء والحنق المكتوم ، وأعلن استقلال الجزائر فكان على الأقدام السوداء «اسم يطلق على المستعمر الفرنسي» العودة إلى فرنسا. كانت هناك حياة جديدة تنتظر هؤلاء المهاجرين الصغار رغما عنهم والذين يجب عليهم أن يقاوموا نظرة العداء والشك التي تنتظرهم. وبالنسبة للراوي، وكان ينتابه شعور بالذنب والندم لأنه ترك رفاقه في ذلك اليوم يمضون إلى حتفهم من دونه، يحس بالحزن الجسيم و الفشل والعار لكونه الناجي الوحيد من المأساة. حان الوقت بالنسبة لمؤلف رواية «حيّ الشتاء» (الحاصلة على جائزة ميديسيس 1990) أن يزيح عن صدره عبئا ثقيلا رزح تحت تأثيره طوال سنوات: واقعة تراجيدية كان شاهدا عليها عندما كان طفلا وحاول بواسطة رواية «الجبل» أن يستعيدها من براثن النسيان لمداواة جراح لم تندمل أبدا. وكمتسلق للجبال، صعد جان-نويل بانكرازي إلى الماضي في الجزائر للبحث عن الذاكرة الجريحة، والألم الداخلي، والشعور بالذنب، لمحو هذا الوعي المضني، الذي بقي لعقود يجتره كما يجتر الناجون من المأساة والعار ذكرياتهم موبخين أنفسهم للاستمرار على قيد الحياة بينما الآخرون لقوا حتفهم. كتابة جان نويل بانكرازي هي بمثابة صدى للماضي المليء بالأخاديد، والانكسارات والمنعرجات والمنعطفات التي تظهر حتى في الجمل المتعرجة، المجزأة بعلامات الترقيم (العوارض، والفواصل، الفواصل المنقوطة) الممتدة مثل مسار متسلق واعد بالمنعطفات والمطبات، ورغم التردد والشك الذي يطبع جمله القصيرة ،إلا أن أسلوب الرواية عموما عميق ورائع وأخاذ. السرد في الرواية استعارة عن الأرض المحبوبة الضائعة وعن المنفى الإجباري وعن الاستسلام لحياة مشروطة بحتمية محو الماضي والذكريات التي تحولت بعد استقلال الجزائر إلى حنين ملعون وذكريات محظورة. حصلت رواية الجبل على جائزة مارسيل بانيول. جائزة فرانسوا مورياك التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية وجائزة البحر الأبيض المتوسط.