مع اقتراب عام جديد من التقشف تساءلت صحف أوروبية إن كانت القارة العجوز توشك على انتفاضة شعبية عارمة؟ وفي حال انفجار الغضب الشعبي في الشوارع بحسب صحيفة كاثيميريني اليونانية، فلن يكون ذلك مدفوعا من سياسيين أو نقابات عمالية بل من أشخاص عاديين لم يتخيلوا قط أنهم قد يفعلوا شيئا مماثلا. ويلقي اليأس بثقله ليس في اليونان فحسب بل في مختلف الدول الأوروبية التي تواجه التناقض نفسه، على الرغم من انتهاء الانكماش الكبير ما زال الناس يعانون الحقيقة اليومية للبطالة والفقر، ويتوقع أن تعود اليونان وإيطاليا والبرتغال إلى النمو في العام المقبل فيما سبق أن خرجت إسبانيا من الانكماش وأنهت إيرلندا برنامج الإنقاذ الخاص بها. لكن الشرخ بين البيانات الاقتصادية ومستوى الحياة يغذي الشعبوية واليمين المتطرف ومعاداة أوروبا، ومن المرجح أن يلعب دورا كبيرا في انتخابات البرلمان الأوروبي في أيار (مايو). وصرح مانويل مورينو البالغ 34 عاما الذي خسر وظيفته في منظمة إنسانية في مدريد "أي تحسن؟ لا نرى تحسنا ولن نراه قبل فترة طويلة"، مضيفاً أنه "كان لا بد من مرور 15 عاما لنتحسن بعد أزمة 1990 الاقتصادية، وهذه المرة الوضع أسوأ بكثير. لن نرى تعافيا قبل 20 إلى 25 عاما". لكن الأرقام تشير إلى أن إسبانيا بدأت تتحسن، ففي عام 2012 احتاجت مصارف إسبانيا إلى 41.3 مليار يورو (56 مليار دولار) من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي أو ما يعرف بالـ "ترويكا" لإنقاذها من انفجار الفقاعة العقارية، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) أعلنت الحكومة أنها ستنتهي من برنامج الإنقاذ في مطلع العام. وخرج الاقتصاد الإسباني من الانكماش في الفصل الثالث من 2013 وتوقعت الحكومة نموا بنسبة 0.7 في المائة عام 2014، غير أن نسبة البطالة في إسبانيا حيث يفوق عدد العاطلين عن العمل الرسمي الربع، لا يتوقع أن تتراجع قبل 2015 بحسب المفوضية الأوروبية. والوضع مشابه في إيرلندا وهي بلد أوروبي آخر تعثر عام 2010، قبل أن تحصل على خطة إنقاذ بقيمة 85 مليار يورو (115 مليار دولار) في العام نفسه لكنها أعلنت في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم أنها ستنتهي من البرنامج في كانون الأول (ديسمبر). لكن كثيرا من العمال الإيرلنديين ما زالوا يغادرون البلاد بحثا عن عمل، وعلى غرار اليونان والبرتغال اللتين حصلتا على خطط إنقاذ شهدت البلاد حركة مغادرة أكبر من حركة وفود مهاجرين أجانب إليها. وأوضح آلان كولي (26 عاما) الذي غادر إلى إنجلترا من بلدته الإيرلندية سليجو في نيسان (أبريل) 2012 للعمل في شركة مورفي للبناء، بقوله "نلت شهادة في إدارة البناء ودرجة ماجستير في الأنظمة البيئية. عندما أنهيت دراستي كانت مؤهلاتي عالية لكن لم تكن هناك وظائف في إيرلندا". وأضاف "أنا حزين لمغادرة إيرلندا لكنني أعتقد في الوقت نفسه أنه من المفيد للمرء أن يوسع آفاقه. لكنني أريد العودة للإقامة في إيرلندا يوما ما، فأنا أفتقد كرة القدم ولعبة قذف الكرة الإيرلندية". وفي البرتغال حيث فرضت الترويكا اقتطاعات تقشف قاسية لم تعد الأرقام تتطابق، ففيما يتوقع أن ينمو الاقتصاد 0.8 في المائة عام 2014 وأن تتراجع نسبة البطالة الرسمية، يؤكد المحللون أن البطالة الفعلية أسوأ بكثير نظرا إلى توقف كثير من البرتغاليين عن البحث عن عمل. وطال الإرهاق اليونان وإسبانيا، بعد الخروج في احتجاجات عارمة في 2011 و2012، إذ يبدو أنهم فقدوا الطاقة والوسائل للإضراب، فيما ألغت أضخم نقابة في اليونان، النقابة العامة لعمال اليونان، احتجاجات في الشارع في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) بسبب قلة المشاركة، وصرح المتقاعد من شركة الكهرباء فانجيليس فلوراس أن "الناس يشعرون بأن النقابات خذلتهم لأنها تفكر في مصالحها فحسب". وتصر حكومة الائتلاف اليونانية على أنه بعد انكماش مستمر منذ ست سنوات سيسجل الاقتصاد نموا طفيفا في 2014، لكن هذه الرسالة فارغة بالنسبة إلى 1.3 ملييون عاطل عن العمل في البلاد يشكلون نسبة تفوق 27 في المائة من السكان ما تزال ترتفع. وأكد الصحفي بوليدفكيس بابادوبولوس أن اليونانيين يتأقلمون أفضل من غيرهم، لكن هناك خطر انفجار، وعند انفجار أزمة الدين عام 2010 لم يتحرك شيء طوال عام، حيث تم تسريح عدد قليل جدا، بل إن بعض الرواتب ارتفعت، مضيفا أن الوضع اليوم هو نفسه مع هذا التحسن الاقتصادي المفترض، وتساءل: متى سيشعر الناس بالآثار الإيجابية؟ وفي إيطاليا التي يتوقع أن تخرج من الانكماش كذلك في 2014 ينجم التهديد للنظام القائم من الشعبوية وبشكل خاص من حركة خمس نجوم التي يرأسها الممثل بيبي جريلو، فيما تشهد القارة أجمع استياء متناميا مما يعتبر عجز الاتحاد الأوروبي عن ضبط الهجرة والبطالة. وصرح رئيس الوزراء الإيطالي أنريكو ليتا في تشرين الثاني (نوفمبر) أن معركة كبرى تتبلور بين أوروبا الشعب وأوروبا الشعبويين، وأنا أكافح من أجل أن تفهم أوروبا التقشف قد يقتل وأن سياسة التقشف وحدها ستفيد أمثال زعيمة اليمين المتشدد الفرنسي مارين لوبن والمشككين على أوروبا على غرار جريلو.