تقاس حضارة الأمم بمقدار ترسيخها لمفاهيم حقوق الإنسان والمواطنة والتسامح الثقافي، ولا تتحقق المواطنة إلا من خلال انصهار الكل في الأسس الثقافية التي تحقق المواطنة، حيث المساواة في الحقوق والواجبات، والوجود الفعال، والتأصيل الديمقراطي في كل مناشط الحياة، فالكل في حق الحياة سواء. وتاريخ المملكة خير شاهد على قدرتها على التجدد والتطور والفاعلية، فهي تتسم بحيوية دافقة، ووحدة عضوية لا شتات فيها، شكلتها ثوابت جغرافية ثرية التنوع ومتغيرات تاريخية يتيح الرجوع إليها فهما أعمق للمستقبل، وتراث مركب تسيطر عليه قوة الاعتقاد ودينامية في التفاعل بغير جمود أو انغلاق، وتجانس يتواصل بين البشر، ووسطية في السلوك تترجم معاني التسامح رغم التباين في الأعراق والأنساب والمناطق. فاتساق القيم والعادات والتقاليد ظلت راسخة رغم التحولات الكبيرة التي جاءت نتيجة النهضة المتسارعة والتطور الهائل الذي حدث ويحدث كل يوم للمملكة، فالهوية العربية الإسلامية للمملكة تمثل قطبا له جاذبيته. حيث مهبط الوحي ومنبع الدعوة لخاتم الأنبياء والرسل. وهذه الجاذبية الدينية هي التي منحت المملكة دورها الفعال في المجتمعين العربي والإسلامي، بل والدولي أيضا. فالمملكة تعد استثناء فريدا بين الأمم، حيث بيت الله الحرام وما حباها الله من ثروات نفطية هائلة، مكانة دينية وإرث تاريخي ضخم، وقوة اقتصادية وثقل سياسي، وهذا الاستثناء هو أبلغ ما ظفر به موقع على الأرض أو موطن للناس. ولا يمكن أن يكون للمملكة هذا الدور التاريخي والوجود المتميز والحاضر الباهي، بغير تسامح ثقافي وترابط جدي بين أبناء الوطن، الأمر الذي يستلزم أن نكون جميعا في مواجهة تحديات متعددة من أجل مستقبل أفضل.