×
محافظة الرياض

عام / أمطار على مدينة الرياض

صورة الخبر

سلمه والده مبلغا وقدره لبدء مشروع ما، وبعد مدة خرج وكتب في مدونته بدأت من الصفر، وهذا هو سر نجاحي. نقدر لك مجهودك الفذ، لكن عن أي صفر تتحدث؟! لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة ظهور رواد الأعمال الناشئين الذين يدعون أنهم يمثلون الشخصية العصامية التي تنتمي إلى ما يطلق عليهم "Self made man"، أيّ الفرد الذي يبدأ حياته من الصفر ويصل إلى القمة بجهده وطاقته وقدراته الخاصة، ولذلك أصبح الكثير منا لا يثق بتلك الجملة التي ترتاد على مسامعنا في حكايا وسير بعض التجار حين تتضمن "بدأت من الصفر". وعلى سبيل الرأي الشخصي أجدها غير منطقية حين تصدر من أشخاص نجاح تجارتهم مربوط بدعم من هذه الجهة أو تلك. سلمه والده مبلغا وقدره لبدء مشروع ما، وبعد مدة من الزمن يخرج لنا ذلك الشاب الناجح ليكتب في مدونته "بدأت من الصفر وبكل فخر أقول هذا هو سبب نجاحي"!! نقدر لك مجهودك الفذ، لكن عن أي صفر تتحدث؟! ربما كان يتحدث عن سادس صفر يلي الرقم واحدا. أو رُبما لم يرد أن يترك مكان السبب خالياً يشعره بالنقص مقارنة بمن كافح ليحصل على التمويل الذي يخوله لبدء مشروعه، ووضع مصطلح البداية من الصفر حتى لا يحدث لبس في حكاية إنجازه. قرأت العديد من التعليقات المندرجة تحتها، ولفت انتباهي تعليق أحدهم ردا عليه: "قصة نجاحك محفزة جدا، لكنها تنفع الأشخاص الذين يشبهونك فقط، ولا تنفع من يملك علاقات محدودة وتمويلا ضئيلا". كونك مدعوما ورأسمال مشروعك أتاك على طبق من ذهب، مع ثقتك الكاملة أنه في حال خسارتك وسقوطك من قمتك ستجد من يدعمك مرة أخرى ويرفعك إلى حيث كنت، وأن كل ما يتوجب عليك فعله هو أن تتعلم من خطأ سابق دون أي تبعات تقلق حيالها.. هذا بالتأكيد لا يشبه أبدا أن تبدأ من صفر حقيقي أو ما دونه، أن تتقلد العصامية وتضطر للعمل في أماكن متعددة، أو أن تأخذ قرضا يبقيك مكسور الظهر حتى يقف مشروعك على قدميه. أو تضطر للدخول مع شركاء في دوامة ليس لها آخر، ويظل هاجس الخوف من الفشل يلازمك أينما ذهبت.. قروض بنكية كيف يمكنك سدادها، شراكة تورطت بها وما يصحبها من تعقيدات في تقسيم الحصص، وما إذا كانت هناك قيم مضافة أو دفع لثمن أخطاء شريك، وما إلى ذلك من تدهور مؤرق. هناك الكثير من المنافسين لصاحبنا "أبو البداية من الصفر" في الاستغفال شكلا ومضمونا، وعلى رأسهم أصحاب الدورات التدريبية المقامة تحت مسمى النجاح وتطوير الذات بمجالاتها المختلفة، والتي من أبرزها "كيف تصبح مليونيراً". يقدمها عدد من المدربين الذين يوهمون المتلقي بأنهم يملكون سر التجارة وتفريخ الملايين.. ما هي إلا جلسات تدريبية تشتري عقل المتلقي، فلو كان لديهم هذا النوع من المفاتيح السرية لانتهجوها لأنفسهم أولاً وصعدوا بها على منصة المليارديرية، ولكن كما يقولون "باب النجار مخلوع". ليس أسوأ من مدرب مفلس ينادي بتحقيق المليارديرية إلا ثريا يتمثل العصامية. فأقول ليس كل تاجر مدعوما، بل كل مدعوم تاجر. وليس كل مشروع ناجحا بدأ من الصفر، فهناك مشاريع بداية صفرها القمة. إلى كل رائد أعمال مدعوم: توقف عن عزو سر نجاح مشاريعك إلى البداية من الصفر، استغفلت عقول الناشئين بعباراتك التحفيزية حد التشبع.