×
محافظة المنطقة الشرقية

حادث سير يودي بحياة الشيخ عبدالله آل بهران

صورة الخبر

عادة ما تستدعي الحوادث الإرهابية ما هو أمني وعسكري، خصوصاً إذا كانت بضخامة أحداث فرنسا الأخيرة التي جاءت كردّ فعل من قبل «داعش» على التدخل الغربي في سورية. إلا أن إغفال الجانب الرمزي والفلسفي الذي يؤطر ظاهرة الإرهاب الأصولي سيحول دون إدراك الأبعاد الحقيقية لها. وفي هذا السياق، يشار إلى أن الإرهاب الأصولي على مستوى الجذر الأخلاقي والرمزي والفلسفي كان ولا يزال نتاجاً لتناقض كامن داخل المشروع الحضاري الغربي ذاته، ما بين التيارات الفلسفية والفكرية المؤمنة بالعولمة والتيارات المعارضة لها. فالفكر الفلسفي الفرنسي سبق له أن طرح وجهة نظر مغايرة في شأن الإرهاب الأصولي عندما تصدى لتحليل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) التي تعادل موضوعياً وتاريخياً هجمات فرنسا الأخيرة من وجهة نظر معارضة للعولمة وذلك عبر أحد أبرز الفلاسفة الفرنسيين المحسوبين على تيار ما بعد الحداثة وهو جان بودريار، الذي أصدر كتاباً مهماً بعنوان «روح الإرهاب» حوى تحليلاً ارتكز على البعد الرمزي والدلالي والأخلاقي لأحداث 11 أيلول ولظاهرة الإرهاب الأصولي انطلاقاً من مقولة «هم من فعلوه ونحن من أردناه». فأحداث 11 أيلول تعري من وجهة نظر بودريار نقطة في غاية الهشاشة لكنها في غاية المركزية في الخطاب السياسي والحضاري الغربي، ألا وهي حساسية المهمشين إزاء كل نظام نهائي ومطلق، والتي جعلت الغرب يعلن بذلك الحرب على نفسه بنفسه عندما احتكر القوة والشرعية الأخلاقية المطلقة، فلم يعد هناك طريق متاح سوى التحويل الإرهابي للوضع، خصوصاً أننا أمام نظام عالمي تطرح طفرة قوته تحدياً لا يمكن حله فيرد عليه الإرهاب الأصولي بفعل مطلق يستحيل استبداله هو الآخر. ومن ثم، فنحن هنا بصدد تناقضين لا تناقض واحد. فإذا كان هناك تناقض كامن داخل النظام العالمي نفسه وفق بودريار، فإن هناك تناقضاً آخر بين هذا الخطاب الما بعد حداثي وخطاب سياسي وتاريخي آخر همش مثالب وعيوب النظام العالمي الجديد واتجه نحو تفكيك ظاهرة الإرهاب الأصولي عبر تدشين صيغة توفيقية تلفيقية تبتعد عن نهج الحداثة حيناً وتلتصق به في أحيان أخرى، ببراغماتية وانتهازية شديدة تسقطان عنها كل قيمة رمزية وأخلاقية مطلقة. ولعل أطروحات المحافظين الجدد وسواهم هي التعبير الأبرز عن تلك الصيغة، فمن إدانة فلاسفة الليبرالية الكبار العديمي الفهم والأخلاق، وفق أطروحات المُنظر الألماني/ الأميركي ليو شتراوس، مروراً بأطروحات المستشرق البريطاني/ الأميركي برنارد لويس، وصولاً إلى القبول مرة أخرى بالديموقراطية، ولكن مع محاولة فرضها بالقوة على شعوب الشرق الأوسط حلاً لمعضلة الإرهاب وفقاً لأطروحة لويس في أعقاب 11 أيلول، وانتهاءً بالويلسونية الواقعية وإعادة طرح القيم المطلقة للخطاب ذاته عبر توظيف القوى الناعمة بدلاً من قوة السلاح، وفقاً لفرانسيس فوكوياما في نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، يمكن القول باطمئنان إن تحولات الواقع السياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك صحة هذا المنظور الفلسفي الفرنسي ما بعد الحداثي، لا سيما أن ظهور وتمدد تنظيم «داعش» جاءا نتاجاً لفشل نموذج المحافظين الجدد في العراق. كما أن الوضع الكارثي في سورية نتاج لتآكل مفهوم المطلق وفقاً لهذا النموذج الذي تعاطى بنسبية براغماتية مع قيمة الديموقراطية التي تعد النقطة الصلبة في المشروع الحضاري الحداثي الغربي مدمراً بذلك عبر عملية تطوره التاريخي الاحتمالات الممكنة لوجود نظم عربية مدنية ديموقراطية تتمتع بسيادتها الوطنية وسلمها الأهلي. فالغرب والأميركيون الذين امتنعوا عن إدانة الممارسات القمعية للنظم العسكرية قبل الربيع العربي طالما أنها لا تهدد أمن إسرائيل، ليس بوسعهم اليوم من المنظور الأخلاقي والفلسفي إيقاف الآلة القمعية الأسدية، لأن تلك الآلة وغيرها من ماكينات القمع في عالمنا العربي ما زالت تبرر ممارساتها انطلاقاً من وجود مؤامرات ومخططات للتقسيم. كما أن البيئة السياسية المتخلفة التي خلقتها مناخات القمع ومخططات التوسع الإمبريالي الأميركي القديمة كانت ولا تزال سبباً رئيساً في حال الانكشاف التاريخي التي عانت منها مجتمعات ما بعد الربيع العربي. إذ إنها فشلت حتى الآن، باستثناء تونس، في إيجاد نموذج توافقي يجمع بين الديموقراطية والحفاظ على السِلم الأهلي والتماسك الاجتماعي، خصوصاً في ظل استغلال الثورات المضادة لتلك الحال، وهو ما يكرس في مجمله معادلة الاستعصاء الديموقراطي والانهيار الأمني والتفتت الطائفي في عالمنا العربي لتنفجر تداعياتها كل لحظة في وجه الغرب الذي أنتجها منذ البداية.