لمحت من بعيد الشاعر الأندلسيّ ابن الأبّار، فاعترتني رعدة تطيّر وقشعريرة تشاؤم، فهممت بتغيير مساري، ثم قلت بل أحادثه لسواد عيني القارىء: ما الذي جاء بك يا شاعرنا البلنسي الأندلسيّ، ألتقول لنا إن قصيدتك السينيّة الشهيرة تنطبق اليوم على العالم العربيّ، وكأننا لا نعرف ذلك؟ رحماك كيف تزيدنا غمّاً على همّ بعجُز المطلع ونحن على عجْز: إن السبيل إلى منجاتها درَسا. حدّق فيّ مليّاً ثم قال: ماذا أصابك يا أخي؟ لقد أرسلت تلك القصيدة قبل سبعة قرون إلى أمير تونس، وكانت في الأمّة وقتها حميّة، لا جامعة عربيّة، لقد والله ضاع عقلي إذاً لو أرسلت أخرى يكون مطلعها: أدرك بخيلك فوراً أمّة العرب.. لم يبق درب أمام الناس للهرب، لكن لمن أرسلها، إلى حزب نداء تونس أم إلى الخوانجيّة؟ قلت: هل رأيت يا أبا عبدالله كيف لم يعد العرب يسلمون حتى من المسلمين وأدعياء الانتماء إلى الإسلام؟ أتُراك تتابع أفعال الأتراك؟ قال: أقرأ جيّداً ما في دماغك. عليك دائماً بتبسيط الأمور المعقّدة في السياسة. ثمة عامل مشترك بين طرفين طامعين. طرف مجرم وطرف يُفسح له الطريق ويساعده. كلا الطرفين طامع في خلافة إسلاميّة، حتى ولو أدّى الأمر إلى خلاف إسلاميّ يأكل المسلمين وبلدانهم. والأمّة اليوم تحتاج إلى رمز عربيّ يستطيع إكسابها هيبة بين الأمم، مثلما فعل بوتين الذي استعاد مكانة بلده بعد الهوان الذي خلّفه يلتسين. قلت له: صدقت، فإن الاتحاد السوفييتي سقط وأمسى ملوك طوائف، ولا نخاف شيئاً خوفنا هذا التشرذم الذي تراه اليوم، وهو أنكى علينا من مآل الأندلس على أيّامك. فالعالم العربيّ اليوم، مشتّت مفتّت لا يجد من يلمّ شمله أو يجبر عظمه. وقد تكأكأ علينا مغلّفو السم بالحلوى، واشتدت البلوى، فهل تمنّ بالسلوى؟ قال: لقد أوقعوكم منذ عشرات السنين في فخّ وهو أن الاستعداد والإعداد للحرب جريمة، حتى صرتم ترون أن طلب القوة تهمة، وغاب عنكم أن السلام إنما يناله القويّ. وحين جرّدوكم من الروح القتاليّة، وغدوتم واهمين أنكم آمنون على أوطانكم وأعراضكم وثرواتكم، هجموا عليكم، وبثوا بينكم الفتن، واختلقوا لهم أعداء منكم، يدمّرون أوطانكم، ويسيطر الأقوياء عليها في النهاية وينهبونها، وأنتم كنمور من ورق. لزوم ما يلزم: النتيجة اللغويّة: الأبّار صانع الإبر، وشاعرنا لم يدع خليّة في جسمي إلاّ وبها إبرة لاسعة. abuzzabaed@gmail.com