هل هي إفاقة أميركية مفاجئة؟! والأهم من أنها مفاجئة، هل هي جادة فعلاً؟! ففي الأسبوع نفسه الذي ضرب فيه الإرهاب الأعمى، باريس، صدر كلام عن ثلاثة مسؤولين أميركيين نسمعه منهم للمرة الأولى، وهو كلام في صلب موضوع «داعش» وليس في هوامشه، كما تعودنا أن نسمع من المسؤولين الأميركان بوجه عام! صحيح أن هيلاري كلينتون، هي أول هؤلاء الثلاثة، وصحيح أنها مسؤولة سابقة، لا حالية، ولكنها كانت أكثر الثلاثة وضوحًا، ثم ذهابًا إلى هدفها من أقصر طريق. ففي أول خطاب لها بعد إرهاب باريس، كمرشحة للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة، بل كأبرز مرشحي الحزب، قالت إن على إدارة بلادها أن تتعامل مع تنظيم «داعش»، من أجل هزيمته، لا احتوائه.. فهل نفهم من كلامها، أن إدارة أوباما كانت على مدى عامين وأكثر، من عُمر «داعش»، توهمنا بأنها تسعى لهزيمته، بينما هي في الحقيقة تحتويه؟!.. ربما.. بل هذا هو الراجح من خلال ما نرى بأعيننا مما نتابعه من مواقفها إزاء التنظيم الإرهابي كل يوم، منذ طفا على وجه الأحداث! دعنا من الماضي، ومما جرى فيه، لنركز في حاضرنا، ونلتفت إلى معنى كلام مرشحة الديمقراطيين، وكيف أن على بلادها أن تعمل من أجل هزيمة التنظيم.. هزيمته مرة أخرى.. لا احتوائه ولا حتى محاصرته! ثم إن ما هو أهم، أن كلينتون تقول، في خطابها الذي ألقته أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، إن على تركيا أن تغلق حدودها مع سوريا، وإن عليها أن تضرب الدواعش، بدلاً من الأكراد! إنني أتمنى لو أعدت هذه العبارة الأخيرة لهيلاري كلينتون عشر مرات، لعلنا ندرك أنها بعبارة قصيرة، قد لخصت الموضوع المعقد كله، وأن الحل في الإرهاب الذي يهدد العالم، يبدأ من عند هذه العبارة! وهو يبدأ من عندها، لأن الذين صدقوا كلام تركيا عن أنها تضرب «داعش» لا بد أن يراجعوا أنفسهم.. إذ لو كانت تضربه حقًا، لكان ضربها قد جاء بنتيجة أولاً، ولكانت كلينتون قد قالت كلامًا آخر ثانيًا! إن أغلب إن لم يكن كل العناصر الجديدة التي تلتحق بـ«داعش»، تأتي من حدود تركيا مع سوريا، ونقطة البدء في محاصرة هذا التنظيم الإرهابي، تمهيدًا لخنقه، هي من هناك.. من عند حدود تركيا مع سوريا الممتدة لنحو 900 كيلومتر! أما الزاوية الأكثر أهمية في كلام كلينتون فهي ضرورة أن توجه تركيا ضرباتها لـ«داعش»، بدلاً من توجيهها للأكراد الذين كانوا أشد أهل المنطقة بأسًا في مطاردة الدواعش وملاحقتهم، فإذا بنا نكتشف أن إردوغان يضرب الأكراد، وكأنه لا يكتفي بالامتناع عن ضرب «داعش» بل إنه يضرب من يضربه!.. وتلك هي المفارقة التي يراها الجميع، وتوجزها كلينتون في عبارة واحدة! وقبل حديث كلينتون بأيام كان جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، قد قال إن بلاده تنسق مع الأتراك من أجل ضبط الحدود مع سوريا.. ولا يملك أي قارئ لهذا الكلام، إلا أن يتساءل في حيرة: أخيرًا.. وأخيرًا جدًا.. أدرك الأميركان أن لتركيا حدودًا مع سوريا أولاً، وأن هذه الحدود في حاجة إلى ضبط وإلى ربط ثانيًا؟!.. إن السؤال المحير هو: لماذا لم يتطرق الأميركان إلى هذا الشأن الفاصل، وهم يعرفونه منذ اللحظة الأولى.. لماذا لم يتطرقوا إليه من قبل أبدًا؟!.. سوف نعرف إجابة هذا السؤال، يوم تتكشف الأوراق كاملة حول طبيعة العلاقة بين «داعش» والولايات المتحدة، من حيث النشأة، ومن حيث الرعاية أيضًا، ويوم تُضاء جنبات المسرح السياسي في المنطقة كلها! ورغم أني لا أثق كثيرًا، ولا قليلاً، في أي كلام يكون مصدره «فيسبوك»، و«تويتر»، ومعهما سائر المواقع التي توصف بأنها مواقع تواصل اجتماعي، فإني في واقعة الفيديو الموجود عليها، الذي يتكلم فيه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، لا بد أن نتوقف لنتأمل، قبل أن نأخذ بما فيه، أو لا نأخذ.. نصدق، أو لا نصدق.. فنائب أوباما يقول إنه تكلم مع صديقه إردوغان الذي قال ما معناه، إنه اكتشف، أنه ربما يكون قد سمح بمرور عدد من المنتمين إلى «داعش» إلى سوريا، بأكثر مما هو لازم. إذا أنت ربطت المعنى في حديث هيلاري كلينتون، بالمعنى في تصريح جون كيري، بالمغزى في مقطع فيديو نائب أوباما، سوف تكتشف أنك أمام خيوط شيء واحد بعضها مرتبط ببعض! وسوف تبدو الحكاية أمامك، وكأن أنوارًا تنطلق من هنا مرة، ومن هناك مرات، لتضيء مسرحًا في منطقتنا كانت العتمة تغطي خشبته وجوانبه! وسوف يضاء المسرح أكثر، في أيامنا المقبلة، إذا ما صادف أصحاب ضمائر حية في هذا العالم الرديء!