بيروت: فيفيان حداد منذ إطلالتها الأولى على شاشة تلفزيون لبنان عام 1973، أحدثت المذيعة كابي لطيف ضجة إعلامية لم يسبق أن حققها أحد من أبناء جيلها. منذ ذلك الوقت صار يقال: «المذيعات ما قبل كابي لطيف وما بعدها». فالإعلامية اللبنانية التي سرقت الأنظار وخطفت الأنفاس يومها بخروجها عن المألوف، كانت أول مذيعة شقراء تطل على اللبنانيين بنفحة شبابية لافتة وبصوت دافئ ذي نبرة لا يمل منها. هي صاحبة حوارات ذكية وسريعة البديهة أسرت معظم ضيوفها. تركت كابي لطيف لبنان عام 1986 إثر اشتداد وتيرة الحرب فيه، استقرت في باريس وانتسبت إلى عائلة إذاعة «راديو مونتي كارلو» الدولية وما زالت فيها حتى اليوم، إلا أنها بقيت راسخة في أذهان اللبنانيين ولا سيما جيل الشباب من أهل الإعلام الذين يعتبرونها قدوة لهم. مؤخرا، كرم لبنان الإعلامية كابي لطيف في مهرجان بيروت الدولي لتوزيع الجوائز «بياف» فالتقتها «الشرق الأوسط» وسألتها عما يعني لها هذا التكريم، فردت: «يكفي أنه جاء من بيروت، فعطر هذه المدينة يسكنني أينما حللت، وكوني ابنتها فهي مطبوعة في قلبي وعلى روحي مهما تغربت. وهنا لا بد لي أن أنوه بمنظمي مهرجان (بياف) الذين ما زالوا يبنون الجسور ما بين اللبنانيين في الداخل والخارج ويظهرون جوانب مضيئة من لبنان بلد الفرح والحياة». وعن كيفية بداية مشوارها الإعلامي تقول: «كان ذلك في عام 1973 عندما كنت أنوي الالتحاق بجامعة الـ(سوربون) في باريس للتخصص في علم النفس أو الفلسفة، إلا أن القدر شاء أن أبقى في لبنان بعدما حدثت عراقيل في سفري، فانتسبت إلى الجامعة اللبنانية فرع الأدب الفرنسي، وكنت لا شعوريا فرنسية الهوى عاشقة لباريس وتاريخها الذي حفظته عن كثب أيام المدرسة». وتضيف: «بالصدفة دقت مهنة الإعلام بابي، عندما أسر يومها الإعلامي الكبير عادل مالك لوالدي (كان صديقه) أن هناك دورة تدريبية تعليمية ينظمها تلفزيون لبنان لمن يرغب في الانتساب إلى صرحها، فتقدمت ونجحت فيها رغم أن الأمر لم يكن يخطر في بالي ولم أفكر بالشهرة أو بالعمل التلفزيوني يوما». أما عن أول إطلالة إعلامية لها فتتذكرها قائلة: «اختارتني إدارة تلفزيون لبنان لمشاركة الإعلامي الراحل رياض شرارة، في برنامجه التلفزيوني (ناس ونغم). لقد كانت فترة جميلة جدا، يكفي أني أمضيتها إلى جانب أحد أهم الإعلاميين المتألقين في لبنان رياض شرارة، وجاء اختياري هذا لإضافة لمسة جيل شبابي جديد على البرنامج. فهذا التمازج والتناغم بين جيلين، بيني وبين رياض، أحبه المشاهد وتابعه. كنا نجول في بلدات ومناطق لبنانية حيث نلتقي بأهاليها ونجري معهم الأحاديث ونطلع على عاداتهم وتقاليدهم، مما زودني بثقافة سياحية وتراثية حول بلدي لم يسبق أن عرفتها من قبل». عاصرت كابي لطيف في تلك الحقبة أهم رموز الإعلام المرئي في البلاد، فتلفزيون لبنان كان المحطة الإعلامية المرئية الوحيدة الموجودة حينها. تعرفت إلى الإعلامية ليلى رستم ومذيعي الأخبار شارلوت وازن الخوري وجان خوري وكميل منسي، وعملت مع نهى الخطيب سعادة وغاستون شيخاني وجان كلود بولس وغيرهم ممن ساهموا في تنمية شخصيتها الإعلامية. ولكن كيف شاء القدر أن تغادر لبنان وتعمل في إذاعة «مونتي كارلو» الدولية؟ توضح قائلة: «عام 1975 اندلعت الحرب اللبنانية وعادت فكرتي الفرنكفونية تراودني من جديد، وبعد مزاولتي لمهنتي رغم الحرب، إذ كنا ننقل تحت القصف، قررت عام 1986 المغادرة إلى باريس. هناك أعدت تأسيس شخصيتي الإعلامية المشبعة بالأسلوب اللبناني. فالميكروفون كان عالميا وانتسبت إلى إذاعة (راديو مونتي كارلو) وحققت ما كنت أحلم به في عالم الإعلام». وتضيف: «(راديو مونتي كارلو) فتح أمامي آفاقا واسعة، فقدمت عبر أثيره برامج ثقافية واجتماعية كثيرة، وقابلت شخصيات عربية وعالمية مرموقة معروفة في عالم الثقافة والسياسة والفن. لقد طعمت العمل الإذاعي بالأسلوب المشهدي التلفزيوني بصورة تلقائية. ابتكرت نفسي من جديد انطلاقا من مخزوني الإعلامي وأضفت إليه تجربتي الإذاعية الجديدة، فكان ذلك بمثابة الانطلاقة الفعلية لعملي الإعلامي»، إلى جانب برنامج «سهرات باريسية» و«بدون قناع»، وإدارتها لطاولات حوار عدة «لقاءات ابن رشد» في مدينة مرسيليا وأخرى في المتحف الأوروبي «ميوزيم». تعترف كابي لطيف أن برنامجها الإذاعي «الوجه الآخر» يبقى الأقرب إلى قلبها وفكرها، وتقول: «هذا البرنامج كان يشبهني، دخلت من خلاله إلى أعماق ضيوفي، حاورتهم بعد أن نقبت عنهم وحفرت في مشوار حياتهم، فلطالما اهتممت بالإنسان عامة فكان شغفي التعرف إلى رحلاتهم مع الإنسانية مما جعله برنامجا إذاعيا مميزا». ومن المشاهير الذين التقتهم طارق عزيز وسهى عرفات والشيخة مي بنت محمد آل خليفة (وزيرة الثقافة في البحرين) والمثقفة اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل وأنسي الحاج وفيروز. كابي التي عاصرت الإعلام التقليدي والمعاصر، أيهما تفضل اليوم؟ ترد بحماس: «المعاصر طبعا، فهو سريع إن في كيفية التواصل مع الآخرين أو في وتيرة العمل وحتى في الإضاءة على أحداث معينة. أنا من مؤيديه رغم أن الإعلام التقليدي يبقى له نكهته الخاصة ومصداقيته في زمن شرعت فيه مواقع التواصل الاجتماعي الغش والفلتان الإعلامي وأسماء مستعارة لبعض المتطفلين على المهنة». وبرأيها أنه لم يعد هناك من شخصية إعلامية يمكن الاحتذاء بها. فالفرص متاحة أمام الجميع ولكل أسلوبه وطريقته، إلا أنها في الوقت نفسه تأسف لغياب شخصيات إعلامية مخضرمة على الشاشات اللبنانية، بينما يتمسك الإعلام الغربي بميشال دروكر وكلير شازال وبربارة والترز رغم أن بينهم من تجاوز الـ70 من عمره. تعمل كابي لطيف خمسة أيام في الأسبوع وتمضي أوقات فراغها في التجول في متنزه قرب منزلها في الدائرة الـ15 في باريس، وتقول: «أشعر بحاجة إلى الابتعاد عن ضوضاء الكلام وأرغب في الإصغاء إلى الصمت وأصوات العصافير. هناك أقرأ وأنفرد بنفسي». ولكن ما نصائحها للجيل الإعلامي الجديد؟ تجيب: «أن يكون مسلحا بالثقافة بعيدا كل البعد عن أسلوب التقليد وأن يتصف باحترام الذات والآخر». وتضيف: «ولكي ينجح عليه أن يتمتع بالموهبة والفضول والموضوعية والالتزام والشفافية». وكابي التي أعطت مهنتها كل حياتها كما تقول تنشغل حاليا في التجهيز لإصدار كتابين يتناولان حقبات من حياتها العملية وتخطط لترتيب أرشيفها الإذاعي الغني بمقابلات نادرة. وعندما سألتها ماذا تنتظر للعودة إلى لبنان قالت: «أنتظر أن يعود لبنان إلى ما كان عليه. فالإعلام اللبناني مميز، ولبنان علمني معنى الحرية وتنوع الحوارات والإبداع، وآسَف على الغياب طول هذه المدة عن جمهور جمعتني به علاقة وطيدة. وقد تكون عودتي قريبة من خلال برنامج تلفزيوني أو إذاعي أو حتى من خلال ممارستي التعليم الجامعي، ولكن ليس باستطاعتي تحديد الزمان والمكان. فأنا من القائلين: (أنت من لبنان وإلى لبنان تعود)».