فرحة كبيرة تغمر قلوب أبناء هذا الوطن الغالي كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، حكاماً ومحكومين وهم يسترجعون ذكرى قيام اتحاد هذه الدولة المباركة، دولة الإمارات العربية المتحدة، هذا الاتحاد المبارك الميمون، الذي مضى على بزوغ فجره أربع وأربعون عاماً. وهي أعوام توالت وتوالى معها البناء والإنجاز يوماً بعد يوم، في تطور مستمر مذهل لم يعرف حدوداً، وعبر رؤى استراتيجية متجددة كانت تهدف باستمرار إلى تحقيق الأفضل للوطن وأبنائه، والمقيمين على أرضه في كل الميادين. ووفق أعلى المعايير الممكنة، حتى لمس العالم كله حجم الإنجازات المذهلة والقفزات النوعية، التي حققتها دولة الإمارات على الصعيد الداخلي والخارجي، حتى تبوأت أعلى المراتب في التنافسية العالمية، إنها فرحة لا توصف حينما نتذكر اتحادنا وإنجازاتنا، لأنها باختصار فرحة وطن. لقد كان قيام اتحاد دولة الإمارات على يد مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إنجازاً تاريخياً مذهلاً بكل المقاييس، فقد استطاع هذا الزعيم العربي الكبير أن يفعل ما لم يستطعه الكثيرون، فعلى الرغم مما كانت تواجهه المنطقة آنذاك من ظروف صعبة قاسية على مختلف الصعد والمستويات. فقد استطاع هذا الزعيم الملهم التغلب عليها بجدارة، وتمكن من أن يحول الأحلام المنشودة والطموحات المأمولة في النهوض والارتقاء إلى واقع حقيقي ملموس، فجمع أبناء هذه المنطقة المتفرقين وضمَّهم تحت جناح دولة واحدة قوية متينة، وتحت راية واحدة شامخة. وذلك بعد جهود حثيثة بذلها هو وإخوانه القادة المؤسسون رحمهم الله جميعاً، ولم يقف حدود الإنجاز عند الإعلان عن قيام الاتحاد في الثاني من ديسمبر لعام 1971م، مع أن ذلك في حد ذاته إنجاز قل له مثيل، بل كان الطموح كبيراً جداً، فتم مواصلة البناء والعطاء والإعمار عبر مسيرة من العمل الدؤوب والإنجاز المستمر في مختلف الميادين. سواء في المجالات التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية أو البنى التحتية أو الاقتصادية أو العسكرية أو غيرها، حتى عم أرجاء الوطن الرخاء، وانتشرت فيها التنمية والازدهار، وساد الأمن والأمان، وتبوأت دولة الإمارات مكانة مرموقة عالية بين الأمم، ليعيش أبناء هذا الوطن فرحة عارمة، تزداد مع الأيام بهجة واتساعاً. لقد امتلك مؤسس الاتحاد زايد الخير، رحمه الله، مقومات القائد العبقري الفذ، التي مكنته من انتزاع الانتصارات والأمجاد من قلب المصاعب والتحديات والعوائق، فقد امتلك الخبرة والحنكة والعزيمة الحديدية والإرادة الصلبة والصبر والحكمة وبُعد النظر والطموح والتفاؤل والأمل الكبير وحسن إدارة الأزمات. إضافة إلى الإيمان الراسخ بضرورة الاتحاد، والتصميم الأكيد على تحقيقه، والمثابرة المستمرة على إخراجه لحيز الوجود، والتعاون المشترك المتواصل مع القادة والوجهاء في سبيل ذلك، والاستفادة من التجارب الأخرى لإنجاح هذا المشروع العظيم. إضافة إلى حسن استثمار الواقع، سواء باستثمار الروابط المشتركة بين أبناء المنطقة، أو باستثمار المصالح المشتركة، أو باستثمار الظروف الصعبة السياسية والمعيشية والاقتصادية وغيرها، التي استوجبت إيجاد حلول عملية مبتكرة لمعالجتها، وكان الشيخ زايد، رحمه الله، رجل المرحلة بجدارة، وكان إيمانه عميقاً بأن المخرج من هذه المعضلات كلها يكمن في حل واحد ضروري وهو الاتحاد. فالاتحاد هو طريق القوة والعزة والمجد والمنعة، والخلاص من العوائق والمشكلات، هذا ما كان يؤمن به تماماً الشيخ زايد، رحمه الله، وهذا ما ترجمه واقعياً عبر مواقف عملية جادة، أشرقت بسببها الإنجازات الباهرة، التي نقطف ثمارها اليانعة يوماً بعد يوم. أعزائي المواطنون والمواطنات: إن واجبنا تجاه الاتحاد كبير، فهو إنجاز تاريخي مصيري، ينبغي أن نتشبث به، ونعض عليه بالنواجذ، ونحافظ عليه بأغلى ما نملك، فقد ذقنا حلاوته، ووجدنا ما تحقق بسببه من الخير العظيم، ومازلنا نقطف ثماره، ونبني في مرابعه طموحاتنا المتجددة. ونعيش في ظلاله في رخاء وازدهار ورغد من العيش وأمن وأمان واستقرار، في وقت نرى فيه ما يجني غيرنا من أشواك الفرقة والنزاع والصراع، ما يحتم علينا تعزيز ثقافة الوحدة والتلاحم في كل وقت وحين. وأن نجعل ذلك جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من حياتنا وواقعنا قولاً وعملاً مع أنفسنا وغيرنا، فديننا الحنيف دين وحدة وتماسك وتلاحم، وقد جعل قادتنا المؤسسون من قول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} نبراساً لهم في مسيرتهم المشرقة، واستلهموا منه بناء هذه الوحدة الشامخة. وسارت على دربه قيادتنا الرشيدة، فأسهمت على الدوام في تعزيز مقومات الوحدة في المجتمع، وتقوية صرحها المتين، ونحن بدورنا نسير في ظل قيادتنا الرشيدة، محافظين على ثقافتنا المعتدلة التي تقوم على ترسيخ مبدأ الوحدة والتماسك والتلاحم. ونبذ الفرقة والتنازع والخصام، معززين ذلك في خطابنا الديني والوطني والثقافي والفكري والاجتماعي والإعلامي والأسري، متصدين في مقابل ذلك لكل ثقافة دخيلة مغرضة، تسعى لتقويض وحدتنا، وإضعاف نهضتنا، وكسر تلاحمنا وتماسكنا؛ تحت أي شعار كانت هذه الثقافة. فلا صوت يعلو فوق صوت الوحدة والتآزر والوفاق، إذ ما نجنيه اليوم من الخيرات هو ثمار تضحيات الأجداد والآباء، فلنضحِّ بكل ما نملك من أجل المحافظة على هذا الإرث العظيم ليهنأ أبناؤنا وأحفادنا في الحاضر والمستقبل. نسأل المولى تعالى أن يبارك في اتحادنا الميمون، وأن يوفقنا للمحافظة عليه، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والازدهار، وأن يجزي عنا قادتنا المؤسسين خير الجزاء، وأن يحفظ قيادتنا الرشيدة ومجتمعنا الأصيل.