"سخروا مني طوال حياتي، تعرضت للتحرش والإقصاء، أتمنى ألا تشعروا بالاستياء مني، وداعا".. كانت هذه الكلمات تقريبا هي ما جاء في آخر خطاب أرسله تيم ريبرنيك لوالديه، لأن الشاب البالغ من العمر عشرين عاما قرر بعدها إنهاء حياته بالانتحار. مرت ثلاث سنوات على هذا الحادث الأليم، ويتذكر الرأي العام وفاة الشاب الهولندي كأحد النتائج المأساوية للتحرش الإلكتروني. يمثل التنمر والتحرش الإلكتروني مشكلة كبيرة، لأنه يحول فراغا يفترض أنه مخصص للمرح وصناعة الأصدقاء إلى مكان يشهد مواجهة بين الجلاد والضحية، وهو الأمر الذي ينعكس على الحياة الحقيقية بشكل ربما لا تحمد عقباه. وتعد المشكلة الكبرى لظاهرة التنمر أن الآثار النفسية لها ربما تمتد سنوات، حيث توضحدراسة نشرت في دورية جمعية الطب الأميركية أن ضحايا مثل هذه الممارسات يصبحون أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالقلق والاكتئاب والرهاب الهلع. ويعرف التنمر بأنه إيذاءيمارسه فرد أو مجموعة ضد شخص آخر، ويتضمن عادة استخدام الطرف الأول القوة أو الإكراه لإهانة أوإيذاء أواستغلال الطرف الثاني، كما يشمل الإهانة اللفظية والتحرش والضرب،وعندما تتم ممارسته عبر الإنترنت يسمى "التنمر الإلكتروني". وفقا للدراسة فإن كثيرا من الشباب يتعرضون يوميا لمنشورات وتعليقات مسيئة على فيسبوك وإنستغرام وغيرهما(الألمانية) انتقام ولا تعد هذه هي الآثار الوحيدة التي ربما تنجم عن ظاهرة التنمر بكل أشكالها، سواء كان في العالم الافتراضي أو الواقعي، نظرا لأن الأمور ربما تصل لما هو أسوأ من ذلك، حيث يتحول الضحية مستقبلا لشخص عدائي تقوده رغبة كبيرة في الانتقام. ووفقا لدراسة أجراها معهد "يو جوف" للأبحاث و"فودافون"، فإن واحدا من كل خمسة مراهقين على مستوى العالم يتعرض للتحرش الإلكتروني، حيث تحولت الشبكات الاجتماعية إلى أراضي خصبة لما بات يعرف بظاهرة "التنمر السيبراني" أو التحرش عبر الفضاء الافتراضي. وتقول الدراسة إن الكثير من الشباب يتعرضون يوميا لتعليقات مسيئة على "فيسبوك" ومنشورات مسيئة على"إنستغرام"،بل حتى إنهم يواجهون مقاطع فيديو سخيفة ومستهزئة على "واتساب". ويقدم الإنترنت للمتحرشين والمتنمرين منصة جديدة لاستغلال ضحاياهم في أي وقت، حيث إن أغلب هؤلاء لا يعرفون كيفية التعامل مع الأمر، فالكثير من الفتيات والفتيان ينعزلون عن محيطهم ويهربون من الدروس بسبب هذا الأمر. ووفقا للدراسة، فإن واحدا من كل خمسة أشخاص يصل به التفكير للانتحار أو إلحاق أذى بنفسه، وهو سلوك دائم الحدوث بين الأشخاص الذين يشعرون بالإهانة والذل بسبب الرفض. الخبراء يقولون إن التحرش الإلكتروني يعد أحد أشكال العنف الجديدة التي تتخطى حدود التنمر الكلاسيكي(الألمانية) وجوه وللتنمر الإلكتروني وجوه عديدة تبدأ من التعليقات السيئة النية وتصل في بعض الأحيان للتهديد بالموت، حيث تقول أخصائية التربية كريستين لانجر إنه كلما زاد المعدل العمري فإن الهجمات تزداد قوتها وحدتها. وتقول لانجر إن الآباء ربما يقع عليهم جزء من المسؤولية، إذ إن الأطفال والشباب الذين لا يحصلون على الاعتراف اللازم بوجودهم وأهميتهم في الحياة الحقيقية يبحثون غالبا عن تأكيد وجودهم بطريقة أخرى، كما أن من ضمن الأسباب الأخرى ضغط المجموعة وخوف المراهقين من أن يتحولوا هم إلى ضحايا، لذا فإنهم يلجؤون إلى ممارسة التنمر والتحرش الإلكتروني ضد الغير كأسلوب دفاع استباقي. وتلفت الدراسة الانتباه إلى أنه على الرغم من الرعاية الكبيرة التي يحصل عليها الأطفال في سنواتهم الأولى، فإنهم يكونون معرضين دائما لخطر مثل هذه الممارسات، لذا يجب وجود رد فعل سريع من الآباء منذ اللحظة الأولى لإدراكهم ممارسة مثل هذه الأفعال ضد أبنائهم. وتكمن المشكلة الحقيقية في أن حوالي ثلث الشباب الذين يتعرضون للتنمر أو التحرش الإلكتروني لا يطلعون الأسرة على الأمر، ولهذا تمّ تدشين مبادرات في عدة دول يقوم فيها ضحايا تنمر سابقون وخبراء بتوجيه النصائح لكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل الأمثل، دون السقوط في بئر التنمر سواء فاعلا له أو ضحية.