رحم الله الملك العادل اصْحَمة النجاشي، ولنا العبرة بما حاق بصاحب الفيل إبرهة الأشرم الذي مزقت جيشه الموجّه لهدم الكعبة المشرفة الطير الأبابيل، وعصاه (بأمر الله) حتى الفيل المدرب لهذه الغاية، وفي الآونة الأخيرة مع أحداث شغب الإثيوبيين المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل بالمملكة ظهرت أصوات متباينة تتندر بأحداث الماضي بين موقفي (النجاشي وإبرهة)، صوت مبالغ ومراوغ في الوقت ذاته يدعو للرأفة بأحفاد الملك العادل، وهو رأي وتوجّه مريب بلا شك، يقابله رأي مناقض يحمّل الغوغائيين أوزار أصحاب الفيل، ولو كان النجاشي مطّلعاً على مفاسد المتسللين الإثيوبيين لكان أول من يتصدى لغيهم فيردعهم ولن يرضى وهو الملك العادل أن يُمعن بني جلدته في مخالفاتهم وجرائمهم في بلاد العرب والمسلمين، كما أن إبرهة وجنوده قد محق الله سيرتهم وتدبيرهم وأفناهم، وليس من الحكمة أن نَصِم من بعدهم بأنهم ورثوا جينات الحقد والكراهية وتناقلوها في أصلابهم الى أن استوطنت في أحياء معروفة بمدننا وأعملت قواها الشريرة في أوساطنا، وإن كان الأمر كذلك فإن لدى السلطات الأمنية العلاج الناجع بإذن الله، والمؤشرات من خلال ما تتناقله الأخبار يوحي للمتابع أن فوضى وشغب الإثيوبيين في بلادنا لم يكن عفوياً او مصادفة عابرة لم يخطط لها، فوزير خارجية إثيوبيا صرّح لوسائل إعلام بأن أجهزة حكومية عديدة ومؤسسات دينية والقطاع الخاص يشاركون في عملية إعادة أولئك المواطنين إلى بلادهم وإعادة تأهيلهم، وأشار المركز الإعلامي الإثيوبي إلى أن وزير الخارجية اتهم بعض الجماعات باستغلال الأزمة لخدمة مصالحها السياسية، وقال إن الوقت الآن ليس وقت لعب سياسة، بل إنه وقت مساعدة مواطنينا، ونقل التلفزيون الإثيوبي عن الوزير إشارته الى الحاجة لجهد منسق مع القطاع الخاص لإعادة المواطنين من السعودية، وإدماجهم في مجتمعاتهم، وتعطى أولوية لذلك. هذه الأقوال والتبريرات المستحدثة لم تبرز إلا بعد تفاقم الأزمة والتيقن من الترحيل، فإين كانت أعين الوزير والسفير والمؤسسات الحكومية والأهلية عن كل هذه الأعداد المتسللة والمخالفة، لماذا كانت الأعين تغمض عنهم وعن تجاوزاتهم التي لا يقرها أي نظام دولي، ولو كانت ضد بلادهم لما سكتوا عنها؟! هو إذن صدود وتغافل متعمد كما يبدو، لا يمكن أن تغادر كل هذه القوافل وتتجاوز الحدود دون علم تلك السلطات، وإن كانت تدّعي أنها لا تعلم فكيف تسكت عن مظاهرات جاليتها المعادية للمملكة في كل مكان، وكيف يمكن تفسير تصريحات سفيرهم في الرياض وكذلك وزير الشئون الخارجية؟ وما تبع ذلك من هجمة إعلامية شرسة عبر صحافة دولية ضد المملكة تقودها مؤسسات إعلامية إثيوبية؟ هل يمكن أن نقول مع كل ذلك أن التسلل الجماعي الإثيوبي الى بلادنا كان عفوياً دون تخطيط مسبق، بل ربما كان برعاية ودعم من جهات لها مصالح مشبوهة بتعكير أمن المملكة وإزعاج سلطاتها وإشغالها بهذه الغوغائية، وإيغار مشاعر المواطنين وتأجيج مشاعر البسطاء وخلخلة تماسك الأمن الداخلي، وزرع الفتنة في الأوساط الاجتماعية والمناطقية. هي احتمالات وتصورات قد لا تكون بعيدة عن الواقع إذا ما تتبعنا القضية خطوة بخطوة في تفسيرات عقلانية منطقية، مع قراءة مصالح الطرف الآخر.