أفادت مصادر أمنية فرنسية أمس أن اجتماعا حصل صباح الاثنين الماضي بين مسؤولين أمنيين فرنسيين ومغاربة في باريس كان «حاسما» للعثور على المواطن البلجيكي - المغربي عبد الحميد أباعود (أبو عمر البلجيكي) الذي يعد العقل المدبر للمجزرة التي ارتكبها «داعش» في العاصمة الفرنسية. وبحسب هذه المصادر، فإن المسؤولين الأمنيين المغاربة نصحوا نظرائهم الفرنسيين بـ«تعقب» حسناء آيت بولحسن، قريبة أبو عمر البلجيكي التي «ستقودهم إليه» وهذا ما حصل الفعل، إذ إن تشديد الرقابة الإلكترونية والبشرية على حسناء أوصل إلى الشقة التي لجأ إليها أبو عمر البلجيكي، وفيها قتل صبيحة أول من أمس خلال عملية الدهم التي قام بها 110 رجال من قوات النخبة في الشرطة والدرك، الأمر الذي حول وسط ضاحية سان دوني شمالي باريس إلى ساحة حرب حقيقية. وأفيد أمس أن أحد شقيقي عبد الحمد أباعود, واسمه ياسين، معتقل في المغرب منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وذلك لدى عودته من سوريا. ولا شك أن ثمة علاقة بين الكشف عن مخبأ العقل المدبر لعمليات باريس الإرهابية الأخيرة وبين وجود ياسين بأيدي أجهزة الأمن المغربية التي يعرف عنها التعاون الوثيق مع الأجهزة الفرنسية في الملفات الإرهابية. وأمس، استقبل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ملك المغرب محمد السادس في قصر الإليزيه. وجاء في البيان الصادر عن الرئاسة أن هولاند «شكر الملك محمد السادس على المساعدة الفعالة» التي قدمتها بلاده لباريس، كما أن الطرفين أعربا عن «عزمهما المشترك على محاربة الإرهاب والتشدد والعمل معا من أجل إيجاد حلول للأزمات الإقليمية والدولية». وفهم أن ملك المغرب كان موجودا في زيارة خاصة لفرنسا وأنه اغتنم المناسبة للقاء الرئيس الفرنسي للتعبير عن تضامن بلاده معها. والملك محمد السادس هو ثاني رئيس دولة عربية يأتي إلى باريس لهذا الغرض بعد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي جاء إلى العاصمة الفرنسية في اليوم التالي على مجزرة 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وقال بيان للديوان الملكي المغربي إن الملك محمد السادس والرئيس هولاند أعربا خلال لقائهما عن العزم المشترك لكل من فرنسا والمغرب للقيام معا بمحاربة الإرهاب والتطرف، والعمل على تسوية النزاعات الإقليمية والدولية. وأضاف بيان الديوان الملكي أنه بعد مرور شهرين على نداء طنجة، الذي جرى التوقيع عليه خلال زيارة العمل والصداقة التي قام بها الرئيس هولاند للمغرب، جدد قائدا البلدين تعبئتهما الشاملة من أجل حماية الأرض والنجاح مؤتمر «الكوب 21» في باريس و«الكوب 22» الذي سيعقد في المغرب عام 2016. وأشار البيان أيضا إلى تنويه الرئيس الفرنسي والعاهل المغربي بحيوية الشراكة الاستثنائية الفرنسية - المغربية وقدرتها على التجدد من أجل رفع التحديات المشتركة. وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت نقلا عن مصدر دبلوماسي موثوق أن المخابرات المغربية هي من أبلغت نظيرتها الفرنسية بأن عبد الحميد أباعود موجود في فرنسا وليس في سوريا. وقال المصدر ذاته لـ«الشرق الأوسط» إن الانتحارية التي فجرت سترتها في ضاحية سان دوني عند بدء هجوم قوات الأمن هي ابنة خالة أباعود، واسمها حسناء آية بولحسن، وهي من مواليد فرنسا في 12 أغسطس (آب) 1989، مشيرا إلى أن المخابرات المغربية هي أيضا من دلت المصالح الأمنية الفرنسية على وجود ابنة خالة أباعود في فرنسا، وأنها متشبعة بالفكر المتطرف. وقدمت المخابرات المغربية معلومات ساعدت نظيرتها الفرنسية على القيام بمداهمة سان دوني، التي قتل فيها عبد الحميد أباعود. وكل يوم يمر على التحقيق المعمق والشامل الذي تقوم به الأجهزة الأمنية يأتي بجديد. وأخر ما برز أمس أن أبو عمر البلجيكي الذي لم يفهم بعد كيف نجح بالانتقال من سوريا إلى بلجيكا ومن بلجيكا إلى فرنسا كان موجودا في باريس ليلة الجمعة – السبت، وأنه استخدم مترو الأنفاق وفق ما بين شرائط تسجيل فيديو لمحطة ضاحية مونتروي القائمة على مدخل باريس الجنوبي الشرقي أي ليس بعيدا عن مكان العثور على سيارة «سيات» التي استخدمها الإرهابيون أو عن مكان إحدى الشقق التي استأجروها. وبحسب التسجيل، فإن صورة أبو عمر تظهر بعد ساعة على بدء العمليات الإرهابية في باريس. لذا، فإن الغموض الذي تسعى السلطات الفرنسية لجلائه هو معرفة ما إذا هذا الأخير قد شارك شخصيا في عملية إطلاق النار على رواد ثلاثة مطاعم إلى جانب الأخوين إبراهيم وصلاح عبد السلام، المواطنين الفرنسيين اللذين كانا يعيشان في إحدى ضواحي بروكسيل. وبعد أن كانت باريس تعتقد أن أبو عمر الذي تعتبره، وفق وزير الداخلية، مسؤولا عن أربع محاولات إرهابية منذ الربيع الماضي وأنه كان مولجا «إدارة» المتشددين الفرنسيين أو الناطقين بالفرنسية في تنظيم داعش، فإذا به «يظهر» في باريس ويتنقل في المترو وربما يشارك في العمليات الإرهابية التي هو محركها الأول. أما السر الثاني الذي يدل هو الآخر على اختراق المنظومة الأمنية الفرنسية والأوروبية معا فهو «اختفاء» صلاح عبد السلام الذي يظن بقوة أنه ذهب وشقيقه إلى سوريا وعادا منها إلى بلجيكا. ورغم حملات الدهم الكثيرة التي تقوم بها الأجهزة البلجيكية واعتقال الشخصين اللذين كانا برفقته لدى «إخراجه» من باريس عقب العمليات الإرهابية، فإن صلاح عبد السلام ما زال متواريا عن الأنظار. وأمس أعلن رئيس الحكومة مانويل فالس أنه «يمكن تصور مشاركة أشخاص آخرين» في هذه العمليات، ما يعني أن الاعتقاد الأول بأنهم سبعة فقط كان خاطئا. وأمس، توصل المحققون إلى قناعة أن هناك شخصا ثالثا قتل في الشقة التي داهمتها القوة الأمنية في وسط سان دوني «إلى جانب أبو عمر البلجيكي وقريبته حسناء آيت بولحسن». وتريد الأجهزة الفرنسية مجيء دور فرنسيين إضافيين معروفين في الأوساط المتشددة وهما شقيقان (فابيان وجان ميشال كلان) اعتنقا الإسلام ويظن أنهما انتقلا إلى سوريا. والأول هو، وفق استنتاجات الأجهزة الأمنية، من قرأ بيان تبني تنظيم داعش عمليات باريس فيما تم عزل صوت شقيقه أيضا في التسجيل نفسه. وبموازاة عمليات الدهم والتوقيف والإقامة الجبرية ومنع التجول التي تتم بأمر إداري بموجب حالة الطوارئ، ناقش مجلس الشيوخ الفرنسي أمس مشروع القانون الجديد الذي تقدمت به الحكومة لتمديد العمل بها ثلاثة أشهر إضافية وفق ما يفرضه القانون. وتريد الحكومة من القانون الجديد الذي يفترض أن يصبح نافذا سريعا جدا تشديد الإجراءات والتدابير العقابية وأهمها فرض الإقامة الجبرية وحل الجمعيات والمؤسسات التي تعتبرها الحكومة خطرة على الأمن وتمكين الشرطة والدرك من القيام بعمليات تفتيش ودهم من غير الحاجة لأمر قضائي فضلا عن إبعاد أو نزع الجنسية عمن من يعد خطرا هو الآخر على السلامة العامة. أما على الصعيد الخارجي، وبالتوازي مع الجانبين التشريعي والأمني، فإن باريس مستمرة في حربها على الإرهاب في جبهتين: سياسية - دبلوماسية من جهة وعسكرية من جهة أخرى. وفي هذا السياق، فإن النتائج إلى أسفر عنها اجتماع وزراء الداخلية والعدل لبلدان الاتحاد الأوروبي أمس في بروكسل، عدها الوزير برنار كازنوف «مشجعة» بعد أن كان قد لام نظراءه الأوروبيين على «الوقت الضائع» الذي أهدروه في الاجتماعات العقيمة التي جرت منذ بداية هذا العام.