أعتز ببورتريه لي رسمه الفنان العالمي جورج بهجوري في ليلة 19/3/1988 في العاصمة الأردنية عمّان وعليه توقيعه وإلى جانب التوقيع العبارة التالية: اللقاء الأول، محبتي دائماً. كانت ليلة عمّانية باردة في مرسم الفنان التشكيلي الأردني عصام طنطاوي، لكن برد شتاء آذار يذوب كالثلج بالقرب من موقد ضخم يتحول فيه الحطب المشتعل إلى تشكيلات حمراء من الجمر، يزيدها احمراراً قراءة الشعر، وذلك الحضور الجاذب الذي يبثه بهجوري في الليل، وفي المكان. قبل تلك الليلة عرفت رسومات بهجوري الكاريكاتورية في مجلات عربية مرموقة، فهو له شخصية فنية بالغة الخصوصية، وإذا رأيت رسماً له بدون توقيعه تعرف من فورك أنه لبهجوري، هذا المسيحي الرائع، المثقف، والعالمي، والإنساني بوعيه وإبداعيته العالية. كان في زيارته تلك لعمان قادماً من باريس، إن لم تخني الذاكرة، وكانت صدرت له رواية بعنوان أيقونة فلتس لها مذاق خاص لسبب بسيط جداً، وهو أن بهجوري لم يطرح نفسه روائياً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل يسرد على طريقة فلاح مصري لم تأخذ باريس من روحه المصرية الصافية شيئاً يذكر، ولكن باريس في النهاية هي مكون رئيسي من مكونات هذا الفنان التلقائي والحميم، وهنا لك أن تبدي استغرابك ممن يستخدمون عبارة المنفى الباريسي عندما يتحدثون عن كتّاب ومثقفين وفنانين عرب تركوا بلدانهم لأسباب عديدة، قد تكون سياسية أو اجتماعية، أو حتى ثقافية، وذهبوا إلى باريس، وفي مدينة النور أصبحوا عالميين في الفنون والآداب والعلوم.. فمن أين جاءت هذه العبارة المنفى الباريسي وهم على هذه الدرجة العالمية من الإبداع؟ لا.. ليس منفى باريسياً، بل هو وطن من لا وطن له بمعنى وطن الإبداع ووطن الفنون، وهكذا هو جورج بهجوري الفنان الإنساني البالغ الشفافية والرفاقية الأدبية، تحدث في تلك الليلة عن قرية بهجورة الواقعة في ضواحي نجع حمادي، حيث ظلال القصب ورؤوس النخيل التي تعانق الغيوم في فضاء ريفي مصري حميم من الطبيعي أن يولد فيه فنان في حجم بهجوري. جورج بهجوري المثقف، الباريسي، المصري الصميم، والساخر الكبير أيضاً بالكاريكاتير وبالكلام هو اليوم في قلب الحياة الفنية الإماراتية التي تستقطب الكبار من الشعراء والرسامين والمثقفين، وبهجوري واحد من هذه الكواكب المضيئة في ثقافة التنوع والمحبة والتسامح. أثث بهجوري اللوحة باللون والخطوط والبهجة، وملأ الورق برصاص القلم.. لا رصاص المسدس. كانت ليلة بهجورية رائعة. yosflooz@gmail.com