حددت المحكمة الكبرى الجنائية برئاسة إبراهيم سلطان الزايد وعضوية القاضيين وجيه الشاعر وبدر العبدالله وأمانة سر يوسف بوحردان 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 للحكم بقضية صديقة ميرزا البصري المتهمة بضرب شرطيتين. وكانت محكمة الدرجة الأولى قضت غيابياً بسجن البصري 3 سنوات التي عارضت الحكم الصادر. وكانت النيابة العامة وجهت للبصري أنها في 14 أغسطس/ آب 2013 اعتدت على سلامة جسم كل من النائب عريف وتلميذة عسكرية، وذلك أثناء وبسبب تأديتهما لوظيفتيهما بأن تسببت بإحداث إصابات بهما أثناء ما كانتا تحاولان السيطرة عليها وإدخالها للدورية. وحضر المحامي إبراهيم شعبان مع البصري وقدم مرافعة وطلب في نهايتها أصلياً الحكم ببراءة المتهمة عما أسند إليها من فعل، وعلى سبيل الاحتياط استعمال أقصى أنواع الرأفة والرحمة مع المتهمة وإنزال العقوبة إلى حدها الأدنى مع وقف تنفيذها. وقد دفع شعبان بعدة دفوع منها عدم الاختصاص شكلاً، إذ تنص المادة 181 إجراءات بأنه «تختص المحكمة الكبرى الجنائية بالفصل في الجنايات وفي استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الصغرى». وأضاف من قراءتنا لأوراق الدعوى مع سرد المتهمة علينا تلك الواقعة وصلنا إلى نتيجة أن المتهمة لم تستجب بشكل فوري لطلب رجال الشرطة، وذلك بإدخالها لسيارة الدورية، وما نعمل على تأسيسه هو نوعية «الفعل» هل هو اعتداء أم عدم استجابة للأوامر؟ وذكر شعبان أن المتهمة تعترف بأنها لم تستجب لطلب إدخالها في سيارة الدورية على وجه السرعة، وذلك راجع لخوفها وارتباكها وقناعتها بأنها لم تعمل شيئاً مخلاً بالأمن، كما أنها أي المتهمة للتو قد خرجت من السجن ولم يمضِ عليها أكثر من شهر وعليه كانت في وضع نفسي صعب كل ذلك مع صدمة التوقيف ومحاولة توقيفها. وأفاد شعبان أن المجني عليها الأولى قالت بأنها أمسكت المتهمة من يدها ومشت معنا في البداية إلى ناحية السيارة (الدورية المدنية) وكانت قد أمرتها بالصعود إلى السيارة إلا أنها أي المتهمة قد تلكأت وتباطأت ما استدعى أن يقوم أحد الضباط (وهذا ما شهدت به المجني عليها) برش البخاخ «الفلفل» بوجه المجني عليها التلميذة العسكرية والملازمة وبالتالي أصاب المتهمة التي كانت في المنتصف بينهما ما يجعل النتيجة أن هناك ردة فعل وحركة غير طبيعية استدعت عدم الاستجابة من المتهمة لصعود سيارة الدورية وذلك لإصابتها برذاذ الفلفل ما سبب حرقاناً في الوجه والعينيين وتحركاً لا إرادياً لليدين للمسح عن العينيين والوجه حرارة هذا الرذاذ. لذلك تأسيسنا للواقعة والفعل على أنه عدم الاستجابة الفورية لطلب الصعود إلى سيارة الدورية وهذا الفعل لا يعدو كونه جنحة إذا ما ثبت في أشد ظروفه وليس جناية اعتداء، مع الأخذ بتدخل الضابط برش مادة الفلفل التي أثارت الحركة غير الطبيعية، وعليه يكون دفعنا بعدم اختصاص المحكمة الكبرى الجنائية وكون الفعل هو التأخر في الصعود إلى سيارة الدورية... وليس الاعتداء على سلامة جسم المجني عليهما... ودلّلنا على ذلك من خلال الواقعة واعترافات المتهمة لدى النيابة العامة وكذلك شهادة وأقوال المجني عليهما بالإضافة إلى الفتيات الأربع اللاتي كن بصحبة المتهمة ساعة الواقعة... إن كل الدلائل والمؤشرات تصب في خانة ما أسّسنا له في البداية ودفعنا بعدم الاختصاص شكلاً. كما دفع شعبان بانتفاء فعل التجريم، وقال حينما أسندت النيابة العامة تهمة الاعتداء على سلامة جسم المجني عليهما أثناء تأديتهما لوظيفتيهما، بل وأحدثت إصابات لا نعرف كيف تقرر ذلك؟ على رغم أن تقرير الطبيب الشرعي لكلتا المجني عليهما ينفي وجود إحمرار أو تورم بل يؤكد سلامة جسميهما بحسب الأشعة السينية والكشف الجسدي، كما أن القرص المدمج (CD) لا يوائم تهمة الاعتداء على سلامة جسم المجني عليهما كما تبين ذلك في أوراق الدعوى، بالإضافة لعدم وجود دليل واحد يدعم قيام المتهمة بشكل بين على أنها كانت لديها النية الجرمية فكيف يمكن تأكيد الركن المادي الذي لم يبنَ على واقعة حقيقية. وأفاد شعبان ولما كان من المقرر قانوناً أنه يتعين لأن يكون الإنسان مسئولاً عن نتيجة فعله أو عمله أن تكون النتيجة منسوبة إليه باعتبار أن النسبية شرط أولي للمسئولية ولا مكان لمحاسبته عن عمله وتحميله نتائجه أن يكون فعله ناتجاً عن اعتداء خارجي نتج عنه تحركاً لا إرادياً من المنسوب إليه الفعل. ولا يعاقب الفاعل عن جريمة ما لم تكن نتيجة لسلوكه. كما أن القاعدة الأصولية تنص على أن المسئولية عن الجريمة شخصية فمن لم يساهم في ارتكاب الجريمة بصفته فاعلاً أو شريكاً يظل بمنأى عن العقوبة. وقال شعبان إن التهمة المنسوبة للمتهمة هي جناية، وحيث إن المادة 14 من قانون العقوبات البحريني تنص على أنه (لا تكون الجناية إلا عمدية أما الجنحة فقد تكون غير عمدية إذ نص القانون على ذلك صراحة). وبيّن أن استقامة الدليل على جناية يستوجب اليقين التام والاطمئنان الوجداني الذي لا تشوبه شائبة، وهل استقامة الدليل على أن يكون المجني عليه هو الشاهد أو يكون من قدم البلاغ هو الشاهد؟ كما أن تطبيق نص المادة 221 على المتهمة يجعلها في أسوأ الحالات والتشديد وتغليظ العقوبة يكون حكمها لا يتعدى سنتين، ولا تثريب على المحكمة لو عدلت من حكمها، وفي هذا السياق جاء عن نبي الرحمة محمد (ص) قوله «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فأخلوا سبيله فإن الإمام يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة»، وحيث إن العقوبة لم تكن مناسبة للفعل المنسوب للمتهمة. وأشار إلى أن المتهمة أم لولدين صغار وهي في مقتبل العمر وإن تكن قد تحمست لأمر ما فإنها في كل الأحوال طيبة القلب ومسالمة كغالبية هذا الشعب.