×
محافظة المنطقة الشرقية

توعية الانفلوانزا في جازان

صورة الخبر

المجتمع البحريني، لا يختلف عن المجتمعات الإنسانية الأخرى، فهو يؤثر ويتأثر بما يمور به جواره ومحيطه من المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية، وهذا مؤشر على ديناميكية هذا المجتمع وحيويته التي اكتسبها على مدى زمن مديد. ولأن المجتمع البحريني جزء من مجتمع عربي، وجزء من مجتمع إسلامي أكبر وجزء من عالم أشمل وأعم فإن مستوى التأثر هذا يكون كبيراً. ويمكن رصد هذا التأثر بسهولة في علاقات مذاهبه وطوائفه البينية، باعتبار أن هذه المذاهب وهذه الطوائف هي التي تشكل التنوع وتنتج الاختلاف. هل أكون مخطئاً لو قلت إن التنوع حالة موضوعية لا دخل للإنسان فيها، فيما الاختلاف نتاج طبيعي لهذا التنوع. بالأمس، وقبل صعود الملالي مركب ما أسموه في إيران ثورة إسلامية لم تكن العلاقات بين المذاهب في مجتمعنا على هذا النحو من الريبة والشك. أما اليوم فقد أضحت هذه الحالة تقتضي تدخلاً علاجياً من الدولة. جلالة الملك حمد حفظه الله ورعاه قد التقط التوقيت المناسب، وخص وزارة التربية والتعليم بتوجيهاته في كلمته السامية في افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الرابع لمجلسي النواب والشورى الذي افتتح قبل شهر، تعبيرا من جلالته عن وعيه العميق بأن المشرط الذي سيزيل أورام الطائفية السرطانية كامن في التربية والتعليم أساساً، وأن الجراح الذي أوكل إليه المجتمع البحريني هذه المهمة الحاسمة معلم تقف وراءه طواقم وزارة التربية والتعليم كلها سنداً وموجهاً ومغذياً ومرافقاً ومقوماً لأدائه. ثمة علاقة ارتباط شديدة بين التنوع بأبعاده الإنسانية المختلفة، العرقية والجنسية والفكرية، كوضع طبيعي للوجود المادي بتلامسه مع حقائق الواقع، والاختلاف من حيث هو نزعة إنسانية تنشد الكمال، وترنو إلى بلوغ الحقيقة من مداخل شتى. إن قبول التنوع من دون التسليم بالاختلاف والإقرار بالتعددية منهاجا في دولة تنشد البناء المدني يبقى، في ظني، مستحيلا، ذلك أن الاختلاف هو نتيجة طبيعية للتنوع، وقبوله والرضا به هو شرط حاسم لنجاح الديمقراطية المنشودة. ولضبط العلاقة بين التنوع والاختلاف، فإن رابطة أخرى ينبغي استلالها من جدلية هذه العلاقة، لإيجاد صيغة إنسانية تؤلف بين المتناقضات، وبهذه الصيغة أعني التسامح، تلك المفردة القادرة على حمل مجتمعنا البحريني على تجاوز صعوبات المرحلة السوداء في تاريخه والانتقال السلمي إلى فضاء الديمقراطية عبر الحوار بصفته الصيغة الأمثل لحل المشكلات، أو ضبطها لئلا تخرج عن إطار السيطرة المجتمعية وتسهم في تفجير الاختلافات. إن التنوع والاختلاف واقع وجدنا مجتمعنا، تاريخا وصيرورة، قائماً عليه ولا نملك له تبديلاً. ولهذا في رأيي ما يستوجب منا إيلاءهما اهتماماً خاصاً إذا ما نحن أردنا لمجتمعنا تطوراً آمناً. ذلك أن التنوع والاختلاف حالة موضوعية يستلزم معها الاشتغال التربوي على تأصيل قيميتين اجتماعيتين هما التسامح والاعتدال، ولجعلهما قيمتين إيجابيتين ينبغي حمايتهما عبر تعزيز قيم التسامح والاعتدال، حتى نظفر بمجتمع قابل لأن يكون مجتمعاً تعددياً يقطع مع الحالة الشبيهة في العراق على سبيل المثال. المهمة، عزيزي القارئ، تربوية في المقام الأول. يبقى إعادة القول مراراً وتكراراً إن وزارة التربية والتعليم ليست وحدها من عليها واجب التصدي لإنجاز هذا الدور، بل هناك أيضا مؤسسات الحكومة الأخرى إعلامية كانت أو شبابية، هذا من دون أن نغفل عن مؤسسات المجتمع المدني التي عليها مجتمعة أن تتموضع في سياق التغيرات الكبرى التي يشهدها عالمنا اليوم وواقعنا الإقليمي والمحلي وتدرس خصائص هذا السياق، لتعدل مسارات سياساتها وخطاباتها وأدوارها وتعيد النظر في إرثنا الشعبي المشترك الناضح تسامحاً وتعايشاً وتآزراً. وأستسمحك قارئي الكريم هنا في استطراد مستمد من وحي تفكيري في أثر الثقافة الشعبية في دحر خفافيش الظلام كلها لأشير مشيدا إلى الجهد الذي بذلته أخوات لنا وزميلات، تأليفًا وتجميعاً، في ترجمة وثيقة الثقافة الشعبية إلى كتاب يرفل بكثير مما تفتقده ثقافتنا المدرسية، وهو جهد يتناغم مع ما تبذله إدارة المناهج من جهود جعلتها على مشارف إنجاز عمل تربوي جبار، وعلى قدر كبير من الأهمية، ويتمثل في كتاب مطور يتناول الثقافة الشعبية ليكون بين يدي الطالب البحريني بهدف جعله على تماس مع الماضي حتى يعيش حاضره ومستشرفا مستقبله. لا شك في أن التنوع سمة دالة على الثراء الفكري ومجال ثري لخلق ثقافة متميزة، والتاريخ يعطي أمثلته الساطعة وأدلته الدامغة في هذا الإطار. وليست الحضارة الإسلامية إلا الأقرب مثالاً والأكثر إرضاءً وقبولاً في الوعي العربي الإسلامي، وإن كانت أبعدها فيما يتعلق بالامتثال لمعطياتها الإيجابية والتشبث بعناصر القوة فيها. فإذا ما اتفقنا على أن الاختلاف سليل التنوع ينبغي قبوله، فإننا، بالتأكيد، سنتفق على أن التنوع هو حاصل موضوعي للتعدد الاثني والعرقي وبالتالي الثقافي، فضرورة العيش المشترك تلزمنا بأن نقبل بعضنا بعضا، وندير هامش الاختلاف بيننا بالحوار والتسامح بعيدًا عما يفرزه الثيوقراطيون من عنف إيديولوجي هو في نهاياته يقود إلى تفتيت المجتمعات، ويصنع تيها جدبدا تتخبط فيه الأمة، هذا إذا سلمنا أننا اليوم أمة قائمة ولها تأثيرها! فهل ننجز في البحرين ما عجز عن إنجازه غيرنا؟! هذا هو السؤال والتحدي الأكبر الذي يطرح نفسه على محك التجربة البحرينية من خلال المهمة العظيمة التي تضطلع بها وزارة التربية والتعليم والمتمثلة في البدء بتدريس المواطنة بنمط علمي تربوي جديد في أربع مدارس تجربة تدريسا يقوم على أنشطة تربوية تغرس قيماً تنعكس على السلوك. وهذه التجربة الفريدة درس آخر يكشف طبيعة الجهد العظيم الذي تبذله وزارة التربية في استجابة أمينة لتوجيهات جلالة الملك حمد حفظه الله ورعاه لإعلاء صرح المواطنة الحقة الخالية من تلبيس المذهبيين وأوهام تجار السياسة المخلوطة بالدين، وشعارات تجار حقوق الإنسان ممن اختاروا التسول على عتبات دكاكين المنظمات الحقوقية الدولية. وزارة التربية تسير على خط موازٍ مع ما تسعى إليه الدولة، وتبذل الشيء الكثير لبلوغ المسعى المجتمعي في تحقيق المواطنة المتساوية. هذا هو رأيي ولكم، بطبيعة الحال، رأيكم.!!