يدور القمر حول الأرض بانتظام. ماذا لو كان للكرة الأرضيّة قمران؟ كيف تكون العلاقة بين هذه الأجرام الثلاثة التي تدور حول بعضها بعضاً بطريقة منتظمة؟ هل يمكن وضع معادلات علميّة تصف هذه العلاقة، بقول آخر، ما هي الطريقة العلميّة الممكنة لوصف حال ثلاثة أجسام تدور حول بعضها بعضاً ضمن نمط متكرّر؟ وتاريخياً، شكّل هذا السؤال معضلة مربكة للعلماء. البداية في القرن 17 خلال الأعوام الـ300 التي مرّت على طرح «مشكلة الأجسام الثلاثة»، توصل العلماء إلى ثلاثة أنواع من الحلول. وأخيراً، استطاع فريق صغير من الفيزيائيين ابتكار 13 نوعاً من الحلول لهذه المعضلة. يعتبر هذا الأمر إنجازاً مهمّاً في مجال فيزياء الرياضيّات Mathematical Physics، من شأنه المساعدة على فهم نُظُم الكواكب السيّارة في الكون. وبرزت مشكلة الأجسام الثلاثة عام 1680. وحينها، أظهر إسحق نيوتن أنّ بإمكان قوانين الجاذبيّة التي اكتشفها وصف طريقة دوران جسمين تساهم الجاذبيّة في اتّصالهما، كحال كوكب سيّار يدور حول نجمة. ولم يتمكّن نيوتن من التوصّل إلى حلّ لمسألة الأجسام الثلاثة التي تدور حول بعضها بعضاً. وفي القرن الثامن عشر، توصّل جوزيف لويس لاغرانج وليونارد أولر، وهما اختصاصيّان مشهوران في الرياضيّات، إلى بعض الحلول لهذه المعضلة. وعام 1970، وبمساعدة الحواسيب الإلكترونيّة، توصّل عالِم الفلك الفرنسي ميشال هينون والأميركيّ روجر بروك، وهو اختصاصيّ في الرياضيات، إلى مزيد من الحلول. وحتّى وقت قريب، جرى تصنيف حلول معضلة الأجسام الثلاثة ضمن ثلاث فئات هي: فئة لاغرانج-أولر، وفئة بروك-هينون، وفئة الرقم ثمانية، مع الإشارة إلى أن الفئة الأخيرة توصّل إليها الأميركي كريستوفر مور، وهو اختصاصيّ في الفيزياء من معهد «سانتافي»، في العام 1993. وترجع تسمية الفئة الأخيرة بـ»الرقم ثمانية» إلى أنّها تجسّد ثلاثة أشياء يلاحق أحدها الآخر ضمن شكل يُشبه الرقم ثمانية 8 في الأعداد العربية. ويبدو حل لاغرانج-أولر أكثر بساطة، لأنه يقترح أنّ هذه الأجسام تدور على غرار ما تفعل مجسّمات الأحصنة في دوّامة الأطفال التي تنصب في منتزه للألعاب، إذا فصلت بينها مسافة متساوية. في المقابل، يقترح حلّ بروك-هينون أنّ جسمين يندفعان ذهاباً وإياباً باتجاه الداخل، فيما يدور الجسم الثالث حولهما من الخارج. حلول سهلة لكنها مخيفة أخيراً، استطاع ميلوفان سوفاكوف وفيلكو دميتراسينوفيك، وهما عالِما فيزياء صربيّان يعملان في «معهد الفيزياء» في بلغراد اكتشاف 13 نوعاً من الحلول لهذه المعضلة، ما رفع عدد الحلول إلى 16 نوعاً. وفي هذا الصدد، وصف ريشارد مونتغوميري، وهو اختصاصيّ في الرياضيات في جامعة كاليفورنيا في «سانتا كروز» ولم يشارك في هذا الاكتشاف، هذه المجموعة من الحلول بأنها «جيّدة ومعروضة بطريقة جميلة» جدّاً. من جهة أخرى، يشكّل اكتشاف أيّ نوع من الحلول لهذه المعضلة، أمراً مثيراً للخوف، إذ يمكن أن تنطلق ثلاثة أجسام في الفضاء بطرق لا تُحصى. وبطريقة أو أخرى، ينبغي اكتشاف الحالات الأساسيّة، كنقاط البدء، والسرعة، وما إلى ذلك، التي تعيد هذه الأجسام إلى وضعها الرئيسي لكي تبدأ العمليّة من جديد. وتستند حلول سوفاكوف ودميتراسينوفيك إلى معادلات رياضيّة صيغت بمساعدة تقنيات المحاكاة الافتراضية في الكومبيوتر. وتمكن هذه المعادلات من وصف دوران الأجسام الثلاثة اعتماداً على معطيات عن الحال التي انطلقت منها. ومن المستطاع تعديل الحالات الأساسيّة في كل مرّة، مع رسم مسار يتّفق مع كل حال أساسيّة. وشرح العالمان هذه الطريقة التي تبدو سهلة، في بحث نشراه في مجلة «فيزيكل ريفيو لترز». وبيّن دميتراسينوفيك أن الحلول الـ13 المُكتشفة يفترض أن تكون «من أبسط الأمور على الإطلاق، «وشكّل اكتشافنا لكلّ هذه الأشياء صدمةً كبيرة لنا، علماً أنّ ما شكّل صدمةً أكبر بالنسبة إلينا هو أنّ أحداً لم يتوصّل إلى هذه الاكتشافات من قبل». واستطراداً، وصف هذان الفيزيائيّان طريقة اكتشافهما للحلول الجديدة، عبر الإشارة إلى أنهما استخدما فضاء افتراضيّاً سمّياه «شكل الكرة». وأوضحا أنه يصف شكل مدارات الأجسام الثلاثة لجهة المسافة النّسبية بينها. وتحدّد ثلاث نقاط حول خطّ استواء الكرة مكانَ ارتطام الجسيمات، أمّا الخطّ المرسوم على الكرة والذي يجب أن يتفادى النقاط المذكورة، فمن شأنه وضع مخطّط يُظهر مدى تقارب الأجسام من بعضها بعضاً. وما زالت أوساط المجتمع العلمي تناقش الآثار المحتملة لهذه الحلول، خصوصاً في مجال الأسلحة الحربيّة المتطوّرة، وأساليب رصد الأقمار الاصطناعيّة، وطُرُق رصد الكواكب السيّارة في المجرّات البعيدة وغيرها.