أكثر ما يلفت الانتباه في قوة الدولة المسلمة في العهد النبوي، وما تبعه من عهود الخلفاء الراشدين، هو التلاحم بين أركان الدولة والمجتمع، فكانا يسيران في اتجاه واحد، وكان المجتمع يسدد أي قصور أو خلل في جانب الدولة، وكانت الدولة ترعى المجتمع وتسهل له سبل الفاعلية والإيجابية والمشاركة في إدارة الدولة. فمشكلة الفقر، على سبيل المثال، كانت الحلول المطروحة لها هي حلول مجتمعية، بحيث يساهم أفراد المجتمع، ويكفل بعضهم بعضاً، ليس بالعطاء المنقطع وهو الصدقة، بل كان التعاون المجتمعي على انتشال الفقراء من وهدة الفقر إلى الاكتفاء، ولعل أنموذج المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار أبرز مثال على ذلك. ومشكلة الدفاع عن الدولة الوليدة في وقت لم يكن هناك جيش منتظم، كانت مهمة المجتمع كله، فمن يستطيع الخروج للدفع عن الدولة وتوسعة رقعة الإسلام في المعمورة كان يخرج بسلاحه الذي أعده بنفسه، مع عدته وعتاده، وكان أثرياء المجتمع بدافع ذاتي يكفلون من لا يستطيع أن يعد لنفسه العدة المناسبة للدفاع أو الجهاد. فلم تخش الدولة، حتى وهي في بداية عهدها، من قوة المجتمع، بل على العكس من ذلك تماماً، كانت القيادة المسلمة، والتوجيهات الربانية كلها تأتي في إطار قوة المجتمع، لأنها القوة الحقيقية التي تصب في مصلحة الدولة والمواطن في نهاية المطاف. وبعد انتهاء عصر الخلافة بدأت الهوة والفجوة بين المجتمع والدولة، وبدأ التوجس من قوة المجتمع من أن تؤثر على استقرار الدولة، خاصة في بعدها السياسي، ولكن على الرغم من ذلك استمر المجتمع في أداء رسالته في مجالات متعددة، خاصة في الجانب الاقتصادي والخيري، وشتى المجالات المجتمعية. وفي العصر الحديث نجد أن التوجه الرئيس هو أن تكون الدولة حارسة للمجتمع، على أن تفسح المجال للقوى المجتمعية أن تقوم بواجباتها المستطاعة، على أن تنظم الدول فقط مسارات العمل المجتمعي، حتى تتكامل ولا تتضارب أو تتعارض، وتحتكر ما ليس بالإمكان تركه للأفراد، وهو ما يتعلق بأمور الأمن والدفاع، وتدبير الأمور المتعلقة بسياسة الدولة. إن إفساح الطريق للمجتمع السعودي أن يؤدي الأدوار المنوطة به، يعني أننا نضيف قوة جديدة ومتجددة لقوة الدولة، ونخفف ما يقع على عاتقها من مهام وأعمال ومسؤوليات، ومن ثم تتفرغ لمهام أكبر ومسؤوليات أعظم، قد لا تستطيع القوى المجتمعية أن تؤديها بصورة فاعلة. كما أن إفساح الطريق للمجتمع السعودي أن يؤدي دوره يعني أننا نقضي على السلبية المجتمعية، ونعيد اللحمة بين المجتمع والدولة، ونستغل طاقات ضخمة مازالت معطلة، ونحفز عقولاً كثيرة، على التناغم والتفاعل مع قضايا المجتمع، وطرح الحلول الخلاقة المبدعة. وإفساح الطريق للمجتمع السعودي كي يؤدي أدواره المنوطة به، يساهم في إذكاء الروح الوطنية والاعتزاز بالانتماء إلى المملكة، خاصة بين جيل الشباب، الذي إن لم يجد مسارات صالحة يفرغ فيها طاقته الضخمة، تستفيد منها الدولة، ذهبت تلك الطاقات إلى مسارات فاسدة تنهك قوة الدولة. وإفساح الطريق للمجتمع السعودي كي يؤدى دوره من شأنه القضاء على أي خلل طائفي أو قبلي يمكن أن يتسلل إلى المجتمع، ويزيد من الارتباط بين المواطنين، وهو أمر شديد الأهمية في المجتمعات الحديثة، في ظل الاستهداف الخارجي المتزايد لقوة التلاحم الوطني. وإفساح الطريق للمجتمع السعودي، يساهم في استيعاب كل الأوساط النشطة، وبالخصوص الشباب، ومنحهم الفرصة لتجسيم أفكارهم وتنمية طاقاتهم، بما يعلي من ثقافة التطوع وإعلاء روح المواطنة الفاعلة ودعم عوامل تقوية الدولة. وإفساح الطريق للمجتمع السعودي يعني حماية المجتمع من كل الظواهر الدخيلة، ومن كل أشكال التطرف الفكري والسلوكي، أو التهميش، وهو أمر يساهم بقوة في تجذير قيم التسامح والوسطية والاعتدال في صفوف الناشئة، واعتماد مبدأ الحوار والانفتاح، بما يخدم مصالح البلاد، ومستقبل أجيالها القادمة. هل نملك الشجاعة ونفسح الطريق للمجتمع يقول كلمته؟