قال اقتصاديون غربيون إن تعزيز النمو العالمي ورفع معدلات النمو في الاقتصادات الناشئة سيكون الهاجس الأكبر لقادة مجموعة العشرين في ظل الاضطرابات التي شهدتها أسواق العالم نتيجة تذبذب الأداء الاقتصادي للصين. وأضافوا لـ"الاقتصادية" أن قادة "العشرين" سيكونون حريصين على إظهار أن هناك اتفاقا جماعيا على أسلوب التصدي للتحديات التي يواجهونها، في وقت تكتنف فيه القمة التي تعقد هذا العام في تركيا أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية دولية صعبة للغاية. ولكن السؤال هو كيف يمكن تعزيز النمو العالمي ورفع معدلات النمو في الاقتصادات الناشئة؟ وحول هذا السؤال ستتمحور المناقشات الاقتصادية، وستتباين أو تتفق الآراء في الإجابة عليه، وبمقدار اتفاق الأعضاء خاصة التنين الصيني والنسر الأمريكي حول الإجابة، ستقيم القمة وسيعرف مدى نجاحها أو إخفاقها. رئيس الوزراء الياباني ونظيره التركي يقفان على مضيق البوسفور في إسطنبول قبل توجههما إلى أنطاليا. «أ ب» فالدولة المضيفة تركيا إحدى الاقتصادات الناشئة التي ظلت لسنوات نموذجا للنجاح ورمزا للتوهج الاقتصادي، تعاني وعكة صحية ليست خطورتها أنها طالت بعض الوقت، ولكن أيضا فشلت طرق العلاج المتبعة حتى الآن أن تأتي بنتيجة مرضية للمريض التركي. الدكتور والتر هيتون أستاذ المنظمات الدولية في جامعة لنكستر يعتبر أن خطورة التطورات السياسية والأمنية بعد هجمات باريس الإرهابية لا يجب أن تلهي القادة عن القضية الكبرى على حد وصفه وهي الوضع المزعج للاقتصاد العالمي. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن حجر الزاوية في تأسيس مجموعة العشرين هو الاقتصاد، فقد أنشأت المجموعة على هامش اجتماع مجموعة الثمانية، ولا يجب أن تهيمن السياسية على جدول الأعمال. أردوغان يقود عربة جولف مع وزير المالية التركي قبل حضور لقاء ثنائي مع رئيس جنوب إفريقيا. «الفرنسية» ويرى هيتون أن الظروف ستجبر القادة على إعلاء الشأن الاقتصادي في المباحثات، خاصة أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس استبقت القمة بتقرير سلبي عن وضع الاقتصاد الدولي، وتكهنت للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر بتراجع معدل النمو العالمي، كما أن معظم المشاركين جاءوا محملين بمشكلاتهم الاقتصادية، فالصين تعرضت لهزة اقتصادية عنيفة، وتراجع أسعار النفط أرهق اقتصادات البلدان المنتجة للبترول، والبرازيل باعتبارها إحدى عمالقة الاقتصادات الناشئة تعاني ركودا اقتصاديا خانقا، ولهذا أعتقد أن الشأن الاقتصادي سيهيمن على المناقشات. ولا شك أن القمة ستمثل فرصة ملائمة لكل من الصين والولايات المتحدة لمناقشة صريحة فيما يتعلق بوضع اليوان الدولي، وإلى أي مدى يمكن أن تدعم أو تعارض واشنطن إدراج العملة الصينية ضمن حقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي. ولكن قضية اليوان على أهميتها وتأثيرها المستقبلي في الاقتصاد والتجارة الدوليين، فإنها ستكون أقرب إلى القضية الثنائية بين واشنطن وبكين، وقد تمنح القمة منصة لمناقشتها لكنها على كل حال ليست المنصة الوحيدة التي يمكن بحث قضية اليوان فيها، إذ يمكن التطرق إلى تلك القضية داخل مؤسسة صندوق النقد أو مؤسسات مالية أخرى. أما القضية التي يمكن أن ينجم عن مناقشتها خلال القمة نتيجة ملموسة، وتسمح للقادة المشاركين بالحديث عن إنجاز اقتصادي حقيقي فإنها تتعلق تحديدا بتنظيم قواعد عمل المصارف الكبرى في العالم. ويقول لـ "الاقتصادية"، البروفيسور وليم كروك الاستشاري السابق لمحافظ بنك إنجلترا والخبير المالي لعدد من صناديق التحوط الدولية، إنه منذ وقوع الأزمة المالية عام 2008 هناك قناعة دولية بأن المصارف الكبرى تتحمل المسؤولية الرئيسة لوقوعها، وخلال السنوات الماضية لاجتماعات المجموعة تم قطع شوط كبير فيما يتعلق بتنسيق عالمي المستوى لتنظيم القطاع المصرفي، مشيراً إلى أن المجموعة كانت قد أنشأت لجنة الاستقرار المالي التي أصدرت قبل أيام خطتها المتعلقة بكيفية التعامل مع المصارف العملاقة عندما تتصدع وسبل إعادة تنظيمها دون اللجوء إلى أموال دافعي الضرائب. وأضاف كروك أنه وفقا للخطة التي يتوقع أن تحظى بقبول جميع القادة والزعماء المشاركين في القمة، فإن كبريات المصارف في العالم عليها أن تحتفظ باحتياطات تقارب 1.2 تريليون دولار أمريكي، حيث يمكن اللجوء إليها في أوقات الأزمات لتفادي تكرار الأزمة المالية أو الاعتماد على أموال دافعي الضرائب. ومن المرجح أن يلعب تقرير مجلس الاستقرار المالي دورا مهما في إقناع المشاركين في القمة بأن تحظى قضية تنظيم القطاع المصرفي بجانب مهم من حوارات المختصين، فقد ذكر التقرير أرقاما صادمة بشأن قيمة التداول المالي في قطاع "بنوك الظل" بما لذلك من تأثيرات خطيرة في الاقتصاد العالمي ككل. وبحسب التقرير فإن قيمة قطاع بنوك الظل غير المنظم قد بلغت العام الماضي 80 تريليون دولار، وإن التعامل المالي في هذا القطاع قد زاد خلال عام 2014 بما يعادل ترليوني دولار. وقال المجلس في تقريره، الذي نشر عشية قمة مجموعة العشرين في أنطاليا التركية، إنه في عام 2014 تعزز وزن النظام المصرفي الموازي بألفي مليار دولار، موضحا أن نمو هذا القطاع المالي تجاوز نمو الاقتصاد الكلي. ويمثل النظام المصرفي الموازي جميع الأنشطة الائتمانية خارج الأطر المصرفية التقليدية، مثل الصناديق البديلة، وصناديق الاستثمار في المنتجات الائتمانية أو صناديق النقد. ويتابع مجلس الاستقرار المالي، وهو مؤسسة مكلفة من قبل مجموعة العشرين بإصلاح القطاع المصرفي في أعقاب انهيار مصرف ليمان براذرز الأمريكي، نمو النظام من خلال تقرير سنوي يرمي إلى تحديد نقاط الضعف المحتملة التي قد تنجم عن النظام المالي. وأعلن مارك كارني رئيس مجلس الاستقرار المالي حاكم مصرف إنجلترا أن التمويل غير المصرفي هو مصدر مرحب به للتمويل الإضافي للاقتصاد الحقيقي. وشدد على أن المجلس حاول تحويل "النظام الموازي" إلى مصدر قوي لتمويل الأسواق، وتعزيز اليقظة حوله والسعي إلى تخفيف المخاطر على استقرار النظام المالي، ومن المقرر أن تنعقد مجموعة العشرين غداً في أنطاليا جنوب تركيا. وكان صندوق النقد الدولي قد دعا الأجهزة الرقابية في العالم إلى ضرورة تحسين الرقابة على الأنظمة المصرفية الموازية وغير الرسمية، بعد أن بلغ إجمالي حجم تعاملاتها نحو 80 تريليون دولار لمنع تكون المخاطر المالية خارج حدود الرقابة المالية التقليدية. ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء الاقتصادية عن جاستون جيلوز رئيس وحدة التحليل المالي العالمي في صندوق النقد الدولي قوله إن النظام المصرفي الموازي ينطلق عندما تكون هناك قواعد مصرفية مشددة، وهو ما يؤدي إلى الاحتيال على هذه القواعد. وأشار جيلوز إلى أن عمليات الإقراض غير التقليدية تزداد أيضا عندما تنخفض أسعار الفائدة وأسعار العائد على الودائع، وعندما يبحث المستثمرون عن عائدات أعلى أو عندما يكون هناك طلب مؤسسي كبير على "الأصول الآمنة" مثل شركات التأمين وصناديق التقاعد. ولا شك أن قطاعا بهذا الحجم ولا يتمتع بالتنظيم ويخرج في كثير من الأحيان خارج آليات المنظومات الضريبية، يمثل خطرا على هيكل النظام المالي والاقتصادي العالمي، خاصة إذا ما أصيب بأزمة أدت إلى انهياره، إلا أن المختصين الذين استطلعت "الاقتصادية" آراءهم لا يبدون جميعا على ذات الدرجة من التفاؤل بشأن القمة وما يمكن أن تحرزه من نجاحات. الدكتورة جاسيك روديس أستاذة الاقتصاد المعاصر في جامعة أكسفورد والاستشارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعتقد أن إنجازات المجموعة منذ تأسيسها متواضعة للغاية، ولم تؤثر كثيرا في الاقتصاد العالمي وتوجهاته، وأن ما أنجزته خلال السنوات الماضية لا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع عوامل القوة الاقتصادية التي تمتلكها. وتبدو الدكتورة روديس أكثر قلقا حول المستقبل الاقتصادي للمجموعة، في ظل ما تعتبره حالة من الاستقطاب الاقتصادي العالمي تنعكس عليها وعلى مخرجاتها الاقتصادية. وتضيف لـ "الاقتصادية"، أنه بالنظر إلى القمم السابقة لا يتوقع أن يكون للبيان الختامي تأثير حقيقي على القضايا الاقتصادية الحاسمة والحرجة بالنسبة للاقتصاد الدولي وأعني قضايا التجارة الدولية أو إصلاح المؤسسات المالية الكبرى كصندوق النقد مثلا، أو التحديات في سوق الطاقة الدولية خاصة انخفاض أسعار النفط، فالهدف من المجموعة هو تغيير الاقتصاد العالمي ولكنها لم تقم بهذا منذ تأسيسها. وتستدرك روديس قائلة، إن المشكلة تزداد تعقيدا في الوقت الحالي فالمجموعة تتجاذبها قوى متباينة، وإذا كان هذا دأبها منذ نشأتها فإن الأمر الآن يزداد حدة، ففي السابق كان التياران الأساسيان داخل المجموعة هما البلدان الرأسمالية عالية التطور بقيادة واشنطن، ومجموعة الاقتصادات الناشئة وهذه الكتلة لم يكن لها قيادة واضحة المعالم داخل المجموعة، وكان هذا يسمح في كثير من الأحيان أن يعكس البيان الختامي رؤية ومصالح البلدان الرأسمالية عالية التطور وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كانت كتلة الاقتصادات الناشئة أصابها الضعف جراء تراجع معدل النمو الاقتصادي في السنوات الماضية لكن المجموعة بات لها قيادة غير معلنة وتتمثل في الصين القادرة على تحدي الاقتصادات الغربية إلى حد كبير، ومن ثم البيان الختامي وبقدر تعبيره عن معادلة القوة الجديدة داخل المجموعة، لكنه سيعبر عن درجة ما من الشلل جراء المصالح المتناقضة. وأوضح لـ "الاقتصادية"، جيمس روب الباحث في قضايا البيئة، أن طبيعة القرارات التي ستتخذها مجموعة العشرين خلال قمتها الراهنة بما لها من ثقل اقتصادي، ستنعكس بقوة على قمة باريس ويمكن أن تكون بمثابة توجه عام للقمة بشأن ما يجب أن تتبناه من قرارات بشأن قضيا التغيير المناخي. وقد يعد من نافلة القول أيضا التأكيد على أن قضية اللاجئين والمهاجرين المتدفقين على القارة الأوروبية بمئات الألآف ستحتل موقعا بارزا في قمة العشرين الراهنة، ففي أوائل الشهر الجاري صرح جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية لوسائل الإعلام أنه يجب على مجموعة العشرين أن ترتفع إلى مستوى التحدي وأن يكون هناك استجابة منسقة ومبتكرة لأزمة المهاجرين واللاجئين التي تتصف بالعالمية ولديها عديد من العواقب الاقتصادية. إلا أن تلك التصريحات التي تبدو للوهلة الأولى إيجابية ومنطقية يجب قراءتها بحذر شديد، بما قد تتضمنه من مبرر لبعض الدول بشأن مطالبة البلدان العربية والإسلامية المشاركة في القمة بمساهمات مالية ضخمة لتحمل تكاليف المهاجرين واللاجئين إلى القارة العجوز.