×
محافظة المنطقة الشرقية

الجيش اللبناني يستهدف تجمعات ومواقع المسلحين على الحدود مع سوريا

صورة الخبر

في منجزه الشعري الجديد «الرهوان» (الصادرعن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طبعة أولى 2015)، يواصل الشاعر السوري عبدالله الحامدي رحلة البحث عن القصيدة، وما يسم هذا العمل الشعري في أوفاقه ومرجآته هو الخط الاستعادي-الاسترجاعي عبر مساءلة الذاكرة ومحاولة لملمة شتاتها من منطلق التشظي والاحتدام اللذين يهجسان بالداخل، هو احتفاء جنائزي بالذاكرة والوطن والطفولة والحبيبة. يقول عبدالله الحامدي في العتبة ركضت تحت الأمطار/ وأحببتك/ بكيت مع المشردين/ وأحببتك/ صرخت في المظاهرات/ وأحببتك/ قرأت الأشعار/ وأحببتك/ كتبت الأشعار/ فقرأتك/.. بين الركض تحت الأمطار العاصفة والنحيب مع المشردين في الشوارع، والصراخ الحنجري في المظاهرات، وما بين كتابة الشعر وقراءته، يتراءى خيط رفيع من الحب الأبدي، هي اللعنات استنبتت كل هذه الصور الشعرية البسيطة وذات الطابع الإشكالي في محاولة ترويض حصان الذاكرة المعد للمنحدرات بتعبير الراحل محمود درويش. .. ولأنه «الرهوان»، ذاك السريع الذي لا يدرك، فإن الوجهة هي المجهول مثل جلجامش في رحلة بحثه عن عشبة الخلود، الشاعر لا يود مجدا تليدا، بل سفرا في المتخيل الشعري بحثا عن دفء الوطن المجهول والمعلوم في الآن نفسه، بتلك الحرقة وذاك الاحتراق اللذين يضيئا الذاكرة للوصول إلى نقطة البدء، هو الوطن على كف عفريت بين الماضي المضيء، المشرق الضارب في حضارة الإنسان، والواقع المر المتمثل في خراب سوريا، يقول الشاعر في قصيدة «وطني»: وطني الذي عرفته/ أكاد لا أعرفه/ وطني الذي رأيته/ أكاد لا أراه/ وطني الذي غادرته/ أكاد لا أغادره (ص:5)، ويستمر الدفق الشعري-الشعوري معبرا عن حالات من الحنين مشفوعة بيوتوبيا الحلم والعودة مجددا إلى الحضن، لاسيما أن فترة الأربعين من عمر الإنسان، هي تحصيل حاصل لسنوات من الاكتواء بنيران الهجر والبعد والغربة، هو كذلك فترة للتغير والتحول، مما ينبئ بالكثير من الأشياء الغريبة مثلا تغير في مذاق الأرض رغم أن رائحة التراب ما تزال شاهدة على فترات الطفولة، كذلك تغيرت أحوال الناس في الوطن الغريب والبعيد عن قبضة الروح والقلب. .. في هذه الطاقة الاستعادية لرائحة الوطن وهو يتغير ويتحول باستمرار، يخوض عبدالله الحامدي رحلة البحث عن القصيدة أو التقاط موعد غرامي في المدرج الخامس من جامعة دمشق، الوطن في نظر الشاعر هو مجرد أكذوبة ولحن سماوي مر يتحول إلى حالة من الحزن العميق، رغم كل شيء، فإن الوطن بكل جراحاته وعذاباته يبقى الحب الأول والأخير، وما الحب إلا للحبيب الأول، إننا في «الرهوان» إزاء جملة من الضديات تنسكب وتقولب مشكلة نسقا شعريا يمتح من الغائب والحلم والرؤيا بغية استضمار فعل الكتابة الشعرية، ويمكن اعتبار ثيمة العشق في أبعاده الثلاثة هي المسيطرة على فعل الكتابة: الحبيبة والوطن والشعر، الثالوث المراهن عليه في تأثيث فضاءات هذا العمل الشعري منذ بداياته، ويبدو أن الكتابة الشعرية عند عبدالله الحامدي محكومة بحس شاعري رفيع، فجاء العمل الشعري مثل سوناتة حزينة من توقيع عازف حزين ذات ليل خريفي، تتماوج الصور رغم بساطتها وتمتزج فيما بينها معلنة الانتصار لقيم الحياة أولا وأخيرا، وإن كان جرح الوطن هذا الدال الأكبر في تجربة الشاعر عبدالله الحامدي، فإنه يمكن اعتبار «الرهوان» قد حقق الرهان من أجل الانكتاب والانطلاق بكل حرية في سماء الإبداع. .. كعاشق عابر/ أحببتك كثيرا/ ورميت حبك للنسيان/ حلمت بك على امتداد المطارات والقطارات/ ناديت باسمك في البحار/ وأطلقته على بعض القارات/ بحثت عنك وكنت دوما معي.. نعم هي لعبة المسافة بين الواقع والحلم، بين الحلم والحلم الرؤيوي من أجل الحب والنسيان، وكأن عبدالله الحامدي في بحث متواصل عن القصيدة وعن وجه الحبيبة في المطارات والقطارات تحت يافطة حب عابر للقارات. وملاك القول، فإنه يمكن اعتبار المجموعة الشعرية «الرهوان» رحلة بحث عن عيون الحبيبة في وطن هارب، عاجز عن احتضان أحبائه أو كما قلنا سالفا لملمة شتات الذاكرة: ذاكرة يقول عنها عبدالله الحامدي شيدت بالأسمنت المسلح، لذلك تبقى عصية على الاستغوار والاستضمار، لكن يبقى الرهان في الأخير على «الرهوان» من أجل كسب الرهان ولملمة شتات الذاكرة من جديد. وتجدر الإشارة في النهاية، إلى أن هذا العمل الشعري يعتبر العمل الثالث في مسار الشاعر عبدالله الحامدي بعد مجاميعه: وردة الرمل، دمشق 1995، نشرة غياب، الدوحة 2005.