في معرضه خرف اجتماعي الذي افتتح مساء الأربعاء، (4 نوفمبر)، بمساحة الرواق للفنون، يستعيدُ الفنان نادر العباسي ذاكرة تولد وأخرى تتلاشى، مستحضراً الفنون بأشكالها المتعددة؛ التجريدية، والمباشرة، والتركيبية.. ليروي لنا قصة شيءٍ ككل شيء، فالذاكرة تلك الحافظة لثقافات الشعوب، تروي بدورها قصصهم، وككل شيء تتلاشى أجزاءها وتختفي، لتبرز بشكلٍ مختلف إلى العيان. بهذا المفهوم اشتغل الفنان العباسي، معنياً بـ تراكم ذكرياتنا المدفونة والتي تؤدي إلى تحديد شخصية مجتمعنا وقيمه الأساسية، إذ يستعرض في معرضه، لوحتان تجريديتان، من الحجم الكبير، تضمنتا نصين مخطوطين من دستور المملكة، إلى جانب عدة أعمال تتشكل من خرائط البحرين، الملتقطة من السماء، والتي قسمها نادر بشكلٍ معين، أراد به رسم ملامح الأمكنة بشكلٍ مختلف، بالإضافة للأعمال المطبوعة التي تستحضر رأس الثور الدلموني، الذي يتلاشى حيناً ويبزغ بوضوح حيناً آخر، في إشارة إلى ناموس الذاكرة التي لا تلبث حتى تعود إلى الظهور بشكلٍ أو بآخر كلما تلاشت. يقول العباسي، في تبيان اختياره لـ (خرف اجتماعي) كعنوان: هو مفهومٌ عن الكيفية التي تتكون فيها الذاكرة لمجتمعٍ ما.. كيف تمحى أو تنسى، وهل نسيانها يؤثر على العلاقة المجتمعية بين أفراد المجتمع؟ إلى جانب السؤال عن الكيفية التي ينظر بها العالم الخارجي، لمجتمعٍ فاقدٍ للذاكرة؟. يتابع نادر مستائلاً أردتُ بهذا المعرض أن أثير التساؤل في ذهنية المتلقي: ما الذي يكون الذاكرة؟ وما العناصر الرئيسية في تكونها؟ وكيف لذاكرةٍ ما أن تندثر؟ وكيف يؤثر هذا الاندثار على إنسان هذه الذاكرة؟، وقد ارتكزت أعمال العباسي على طرح هذا الأسئلة بتنوعها، ومرورها على مختلف الأشكال الفنية. إذ تضمنت اللوحتان التجريديتان، اللتان تمثلان وثائق عملاقة، نصوصاً من دستور المملكة كما أسلفنا، فيما اشتمل المعرض على ثلاثة أعمال مرسومة، تجسد كل منها غيوم تدخل المتلقي في حيرة السؤال: هل هي في مراحل التكوين، أم انتهت للتو من ري الأرض؟ وما سر الجمود فيها؟ وإلى أي مصير تسير؟.. أما رأس الثور فماثلٌ للعيان حضورهُ في الذاكرة، فيما نقف حائرين أمام مجموعة من الأعمال المصنوعة من الورق، والتي يقول عنها نادر بأنها تناقش مشكلة اندثار بعض الحرف، خاصة حرفة النسيج التي لها امتداداتها في الكثير من الذاكرة البحرينية، والتي عمدتُ إلى عصرنتها، وربط الألوان المستخدمة في العمل بدلالات توحي على الأصالة والشخصية. أما في العمل التركيبي الوحيد، والذي هو عبارة عن لوحة إلى جانب كرسي عليه ملابس، فقال العباسي هذا العمل يدخل المتلقي في حيرة ما إذا كان عملاً قديماً أم أنهُ عملُ جديد بدأ فيه الفنان تواً؟ وإلى جانب اللوحة هناك كرسي، عليه ملابس، يجعل المتلقي يقف ليتساءل: هل سيعود الفنان لإتمام لوحته، أم أنهُ أنتهى بشكلٍ نهائي. كل تلك الإيحاءات تحيلنا على الذاكرة، تلك التي تمر بمراحل تشكل، ونضوج، وتلاشي. بقصدٍ أو دونما ذلك والتي تعيش مدفونة بين الوعي والوجدان، ولا تلبث إلا وتعود إلى الظهور بشكل أو بآخر.. تراكم ذكرياتنا المدفونة يؤدي إلى تحديد شخصية مجتمعنا وقيمه الأساسية، ويرسم صورة لطبيعة التعاون بين أفراده وعالمهم الخارجي.