بتردد وقدمين ثقيلتين، وللمرة الأولى في حياتها، تجوب أسماء البصول من مدينة إربد شمال الأردن، الشوارع المحيطة بالجامعة الأردنية في العاصمة عمّان التي وقع «حظها العاثر» للدراسة فيها كما تقول، بحثاً عن شقة مفروشة لاستئجارها. وعلى رغم أن الجامعة الأردنية كانت الخيار الثالث من بين الجامعات التي تقدمت لها ضمن قائمة القبول الموحد لدراسة الهندسة فيها بسبب بعدها من سكنها، فإن الهواجس التي شعرت بها وهي تدون خياراتها على نموذج القبول، تحققت. وتضيف أسماء أن أكثر ما كانت تخشاه هو أن تعثر على اسمها في قائمة المقبولين بالجامعة الأردنية، وذلك بسبب بعدها من منزل عائلتها أكثر من 100 كيلومتر، ما سيجبرها على السكن بجوار الجامعة مع زميلات تعرفهن، قادمات من مدن ودول ذات ثقافات بعيدة من ثقافتها ومجتمعها. وتشبّه أسماء ما كان يدور في مخيلتها عندما كانت تبحث مع والدها عن شقة للسكن بـ «شريط مستقبلي» يستشرف حياتها خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي السنوات التي تتطلبها دراسة الهندسة المدنية، مشيرة إلى أنها كانت تطرد كل السناريوات السيئة، ولم تستطع أن تتخيل كيف ستعيش بعيداً عن أمها وشقيقتها التي تصغرها بعام واحد وتكاد تكون توأمها. وتقول: «كنت أسير مع والدي في الشوارع. أتقدم خطوتين وأتراجع خطوة، وكلما وجدنا شقة معروضة للإيجار كنت أدعو الله ألا تعجب والدي، فيما كنت اتحضر في الوقت عينه للحديث عن أي عيب في الشقة التي كان والدي يعجب بها أو يوافق عليها». وتضيف أن «ذلك اليوم انتهى من دون أن نتفق أنا ووالدي على أي من الشقق التي رأيناها، وفيما عاد والدي غاضباً مني بسبب الوقت والجهد الضائعين، كنت سعيدة بأنني عدت إلى البيت ولم ألتزم شيئاً تجاه السكن الجديد. وبينما كانت أمي تحاول إقناعي بقبول الشقة التي يوافق عليها والدي، خطرت في بالي فكرة سرعان ما رفضتها أمي، وهي أن أذهب إلى الجامعة وأعود يومياً»، مشيرة إلى أن أمها أكدت لها استحالة ذلك لأنه لن يتبقى لديها وقت للدراسة، بعد أن تمضي ساعتين في الذهاب إلى الجامعة وساعتين أخريين في العودة، علاوة على خطورة الطريق والظروف الجوية التي تزيد الوضع سوءاً في فصل الشتاء عندما تتساقط الثلوج، ما جعلها ترضخ للأمر الواقع وانتقاء شقة في اليوم التالي. أما هبة العتيلي زميلة أسماء في المدرسة، فرفضت الدراسة في الجامعة الأردنية وهي من أفضل الجامعات الحكومية في الأردن، وفضلت الخروج من دائرة قائمة القبول الموحد التي تتهمها بـ «عدم الديموقراطية» في اختيار التخصص والجامعة، وتقدمت لجامعة خاصة لا تحظى بأي سمعة محلية أو دولية «هرباً من الغربة» كما تقول. وتضيف هبة أنه لا يمكنها العيش بعيداً من أسرتها، بخاصة أنها كما تصف نفسها كسول في أعمال البيت ولا تقوى على البعد من أمها وحنانها، ووالدها الذي يمنحها القدرة على مواجهة التحديات والصعاب. وتلفت إلى أن الحياة في العاصمة تتطلب أيضاً مصاريف لا تقدر أسرتها عليها، مشيرة إلى أنها تسمع كثيراً عن الملابس الثمينة التي ترتديها بنات عمان وسياراتهن الفارهة. وتؤكد هبة أن قدراتها المتواضعة في اللغة الإنكليزية ستحد من مجاراتها بنات العاصمة اللواتي نشأن على دراسة المنهاج الدولي، وليس المنهاج الوطني الذي يدرس في المدارس الحكومية المنتشرة في المحافظات البعيدة حيث لا تتوافر مدارس خاصة بسبب فقر معظم سكانها. ويتقدم الناجحون من طلاب الثانوية العامة في الأردن عادة إلى لجنة القبول الموحد في الجامعات الرسمية التي تعكف على درس الخيارات المتوافرة للطالب بناء على مجموعه في امتحان الثانوية العامة، بحيث تختار له التخصص المناسب والجامعة المناسبة، مع الأخذ في الاعتبار رغباته التي يحددها بالتدرج، ولا تكون عادة ملزمة لها. وتفيد آخر الإحصاءات الخاصة بالتعليم العالي في الاردن بأن مجموع الطلاب في الجامعات الأردنية يبلغ حوالى 244 ألف طالب وطالبة يعمل على تدريسهم حوالى 7 آلاف عضو هيئة تدريس في 10 جامعات رسمية وقرابة 20 جامعة خاصة.