×
محافظة القصيم

الجولة الـ(16) من دوري الثانية تستكمل اليوم بـ(5) مباريات

صورة الخبر

زي عود الكبريت خيال جريء تحتاجه السينما المصرية أفلام المحاكاة الساخرة نادرة في السينما المصرية، فهي لا تحتاج فقط إلى قدرة على التلاعب والعبث، بخفة ظل ودون مبالغة أو افتعال بالأفلام القديمة أو بأشهر المواقف والأحداث التي تتميز بها، بل تقتضي أساسا من المخرج، معرفة عميقة بالسينما، بالفيلم أو بالأفلام التي يحاكيها أو يشتبك معها بطريقته الخاصة، ومعرفة بالجو العام المحيط، وبالفترة التي ظهر فيها، وبالتقاليد التي كانت سائدة وقتها. العربأمير العمري [نُشرفي2017/02/03، العدد: 10532، ص(16)] استعادة الماضي بروح الحاضر يقتضي إنجاز فيلم يحاكي بسخرية ما أنتج سابقا من أعمال سينمائية توفر القدرة لدى المخرج على رصد واقتناص المشاهد واللقطات التي تخدم الفكرة الجديدة التي يستخدمها في سياق التلاعب بالمادة القديمة، وتطويعها لما يريد تصويره وروايته لمشاهدين تربطه بهم شيفرة خطابية تتيح لهم التفاعل مع الفيلم الجديد ورصد علاقته بالأفلام القديمة، والقدرة على الاستمتاع به حتى لو كان يسخر من أفلامه القديمة المفضلة. هذا ما نجح فيه إلى حد كبير، الممثل والمخرج المصري الراحل حسين الإمام الذي أخرج فيلم “زي عود الكبريت”، والذي يعتبر تجربة جريئة غير مسبوقة في السينما المصرية، إلا أن القدر شاء أن يرحل مخرجه مباشرة بعد إنجازه وقبل أن يعرض عروضا عامة، فلم يعرض الفيلم الذي أنتج في 2014 سوى في 2016. حسين الإمام (1951/2014) ممثل ومؤلف موسيقي وملحن ومقدم برامج تلفزيونية ساخرة، ولكن الواضح أنه كان يتمتع أيضا بخيال فني وسينمائي بديع أتاح له الفرصة لأن يخرج فيلما شديد الجمال، هو فيلمه الأول (والأخير) كمخرج. ولا شك أن حسين الذي نشأ في منزل والده حسن الإمام “مخرج الروائع”، أتيحت له فرصة مشاهدة أفلام والده مرارا وتكرارا، فحفظ الكثير من مشاهدها عن ظهر قلب، وأعجب بها وبأبطالها الذين ينتمون إلى عصر آخر، ولكن كانت لديه في الوقت نفسه، القدرة على توجيه النقد الساخر لما تضمنته هذه الأفلام من أفكار أو معالجات أو حتى طرق في التمثيل والأداء، فحسين هو ابن عصر مختلف، والسينما في عصره تطورت كثيرا، في الأداء والإخراج وأساليب السرد، كما أصبحت حبكاتها أكثر تعقيدا. في فيلم “زي عود الكبريت” يستخدم حسين الإمام مقاطع من أفلام حسن الإمام الشهيرة ويمزجها بقصة مختلقة يقوم هو وزوجته الممثلة سحر رامي ببطولتها مع زكريا عامر وراندا السبكي وخالد محروس، وهو يجعل الحدث المبتدع الذي رسم ملامحه بسخرية، يتداخل مع المشاهد التي اقتطعها بدقة من الأفلام القديمة، بحيث يتخاطب الممثلون الجدد مع الممثلين القدامى من الماضي على نحو ساخر. كان حسن الإمام ملك الميلودراما دون منازع، كما كان أستاذا في اكتشاف النجوم وتحريك الممثلين، ورغم مغالاة أفلامه في اختلاق أحداث وتفاصيل تفوق الواقع، إلا أنه كان يتمتع بالقدرة على جعلها تصبح محفورة في الأذهان والعقول، وتتمتع بالقدرة على البقاء في الذاكرة، فمن غير حسن الإمام كان بمقدوره أن يقنعك بأن عبدالحليم حافظ مثلا، سيكتشف بعد أن يكبر ويصبح رجلا، أنه ليس ابن عماد حمدي، بل عثروا عليه على باب جامع، وبالتالي فهو ليس شقيق الشاب المدلل المستهتر حسن يوسف، ولكنك ستكتشف في ما بعد أنه الابن غير الشرعي من علاقة محرمة بين أمه مديحة يسري ورجل آخر، لكن مديحة لم تخبره بذلك إلا بعد اشتداد الأزمة، ونعرف في النهاية أن خيانة عماد حمدي لمديحة كانت السبب في تورطها في العلاقة الأخرى، ولكننا نتعاطف مع عبدالحليم ضد عماد حمدي، ونلتمس العذر لمديحة يسري.. وهكذا! في فيلم "زي عود الكبريت" يستخدم حسين الإمام مقاطع من أفلام حسن الإمام الشهيرة ويمزجها بقصة مختلقة هذه التركيبة الميلودرامية تختلط هنا بتركيبة أفلام العصابات التي تجتمع في الكباريهات، حيث الرقص الشرقي، والتآمر الذي يتم من وراء الكواليس، والفتاة الجذابة المغوية التي ترقص وتتحايل على العصابة وتقوم بنقل المخدرات، ولكنها يجب أن تظل في جميع الأحوال، شريفة عفيفة، أي تحافظ على شرفها عملا بمقولة يوسف بك وهبي التي كررها مرارا في أفلامه القديمة، وهي أن شرف البنت “زي عود الكبريت” لا يشتعل سوى مرة واحدة، وهو عنوان الفيلم، والثيمة الرئيسية المتكررة التي يلعب عليها حسين الإمام بإمعان في التهكم والسخرية والمعابثة، ليقدم بعض المواقف المتداخلة المتسلسلة بعبقرية والتي تعيد إلينا نجوم وأبطال العصر الذهبي في السينما المصرية مثل فاتن حمامة وأمينة رزق وليلى فوزي وهند رستم وفاطمة رشدي وسامية جمال وفريد شوقي ومحمود المليجي وحسين رياض وسراج منير وكمال الشناوي وأحمد علام وشريفة ماهر ويوسف شعبان ومحمود شكوكو، بل وسمير صبري وماجدة الخطيب أيضا التي تظهر في مشاهد غير مألوفة. القصة التي يرويها ويحاول أن يحاكي بها بعض “ثيمات” أفلام السينما المصرية القديمة تدور حول شاب انحرف ودخل السجن وخرج منه لكي يصبح زعيم عصابة تتاجر في المخدرات، ثم تقع في طريقه امرأة يحتاج إلى خدماتها بعد أن تعرض للخيانة من الفتاة التي كانت تساعده وهي فاتن حمامة، تعده الفتاة الجديدة سحر رامي بالحصول على قطعة ذهبية ثمينة مقابل أن يساعدها في الوصول إلى “الرجل الكبير”، أي زعيم العصابة الذي قتل أمها. سيصبح بعض رموز الأرستقراطية المصرية في السينما مثل حسين رياض وسراج منير، من المجرمين وكبار تجار المخدرات، أما المسكين عماد حمدي الذي كان يمثل دور الشاب بينما لم تبد عليه أبدا سمات الشباب، بل كان دائما رجلا شديد الجدية والتجهم، تغلبه رومانسيته فتجعله يتعذب ويشكو لأمه التي يناديها بـ”نينة”، فسيصبح أيضا موزع مخدرات، تدعو له أمه بالتوفيق في مهمته، وتصبح فاتن حمامة رمز البراءة والعذرية في أفلامها القديمة، مجرمة، ينتقم منها حسين الإمام بأن يدفع عماد حمدي إلى قتلها. لدينا هنا مشهد نادر لنور الشريف وهو يغني بصوته في فيلم “بنت من البنات” (1968) لحسن الإمام وسنشاهد مشاهد عديدة من الفيلم نفسه، مثل مشهد تهديد سمير صبري لماجدة الخطيب عبر الهاتف، بينما يتداخل معه حسين الإمام في سخرية. يحتوي الفيلم أيضا على مشاهد الرقص الكلاسيكية لسامية جمال وهند رستم، بل وماجدة الخطيب أيضا… ومشاهد من حفلات القصور ومن الكباريهات ومن الشارع، وسخرية من طريقة قيادة أنور وجدي للسيارات بتحريك عجلة القيادة يمينا ويسارا في عصبية وتوتر، وهي حركة يكررها حسين الإمام كثيرا في الفيلم، وتنبع السخرية هنا من المبالغة في تجسيد كاريكاتورية الموقف في سياقه الجديد الذي يصوغه حسين الإمام، ومن الحوار والبحث عن حبكة شبه مستحيلة لقصة جديدة عبثية تماما. وفي الفيلم يؤدي حسين الإمام كممثل ومغن كما يرقص ويندمج مع الممثلين القدامى باستخدام بعض إمكانيات المزج الحديث للصور، بل وتبدو بعض الصور الثابتة القديمة وهي تتحرك، غير أن ما يشوب هذه اللقطات أحيانا عدم ضبط زاوية الرؤية من جانب حسين الإمام وسحر رامي إلى الشخصية التي يتطلعان إليها في اللقطات القديمة، كما في مشهد الحوار بين حسين الإمام وفريد شوقي الجالس في “البار”، فهنا تبدو زاوية النظر التي يتطلع منها فريد شوقي إليهما غير متسقة مع الزاوية المباشرة الأمامية التي تجعل حسين الإمام يواجه الكاميرا. كما يحصر الإمام ظهوره دائما مع سحر رامي، في لقطات قريبة ذات خلفية مسطحة، وكان الأفضل أن يفتح الصورة إلى لقطة متوسطة أو عامة مع بناء ديكورات مشابهة للديكورات الأصلية الموجودة في الأفلام القديمة، أو استنساخها باستخدام الإمكانيات الرقمية الحديثة. هذه الملاحظات لا تقلل من قدرة الفيلم على التمتع بالطزاجة والجاذبية، والأهم من هذا وذاك، القدرة على توليد الضحك وتحقيق المتعة.. متعة المشاهدة والمقارنة والسخرية المرحة التي لا تغفل قط عن وجود شيء ما في كل تلك السياقات من الأفلام القديمة، من حب للسينما، ومحاولة بناء تلك الشيفرة الخطابية في التواصل مع المشاهدين، وهو ما جعل الأفلام التجارية المصرية القديمة تملك كل هذا التأثير على المشاهدين في مصر والعالم العربي حتى اليوم. :: اقرأ أيضاً ناقد تونسي يغامر في قراءة أشعار الحب المصرية ونشيد الإنشاد هل ترتقي الترجمة بالنص أم تحوله إلى رماد فكر وفن وتكنولوجيا في مهرجان تاء الشباب البحريني شعراء وضيوف عرب وعراقيون في مربد البصرة