×
محافظة المنطقة الشرقية

4 أخطاء يقع فيها رواد الأعمال الجدد

صورة الخبر

«لا أذكر منذ يوم «الحرقة» سوى صوت محرك المركب ورائحة الملح. لا تزال رائحة البحر تحرّك في داخلي شعوراً بالمرارة على رغم مرور أربع سنوات على تاريخ ركوبي مع رفاقي مراكب الموت للوصول بطريقة غير شرعية إلى ضفاف إيطاليا. لم يكن الأمر سهلاً أو صعباً، كان انتحاراً ماتت فيه مشاعر الخوف داخلنا لتحل محلها لامبالاة غريبة، ومات الأمل إثر ذلك في طريق طويلة نقطعها منذ سنوات للعثور على ضربة حظ لم تأت». لم تبد علامات الحزن على وجه مريم (اسم مستعار) وهي تستذكر يوميات رحلتها غير الشرعية من ضفاف جزيرة جربة في الجنوب التونسي إلى الشواطئ الإيطالية ويطلق التونسيون على هذه الرحلة تسمية «الحرقة» وعلى المشاركين فيها تسمية «الحارقين». «لم أخبر والدي، تستطرد مريم، أخبرت فقط أمي التي شجعتني آنذاك على الهجرة، كنت استمد من عينيها الشجاعة وهي تخبرني بأنني أمل العائلة بالحصول على حياة كريمة وبأن بقائي هنا في مدينتي بالجنوب التونسي لن يفيدني في شيء. حين صعدت المركب أحمل حقيبتي الصغيرة استقبلتني ابتسامات الفتيات مهللة بقدوم راكبة أخرى. كنا عشرين فتاة بصحبة قرابة مئة وعشرين رجلاً وسرعان ما التحمنا في حديث نسوي أنسانا مشقة الطريق وآنسنا من الخوف لنصل إلى إيطاليا بعد إبحار يوم ونصف يوم». كانت السلطات الإيطالية قد منحت غالبية المهاجرين غير الشرعيين من تونس، إبان الثورة، اللجوء السياسي. وكانت مريم من بين المتمتعين بهذا الأجراء إلا أن صعوبة الحصول على عمل في إيطاليا أجبرها على التحول إلى باريس ما أفقدها صفة لاجئة نظراً إلى عدم متابعتها المستمرة للأوراق الرسمية الخاصة بهذا الإجراء في إيطاليا. وتحولت مريم من لاجئة سياسية في روما إلى مقيمة غير شرعية بباريس ما يجعل من عودتها إلى تونس كابوساً نظراً إلى أنه بعودتها سيكون من الصعب عليها الرجوع إلى باريس. كما أن بقاءها في فرنسا من دون أوراق رسمية حوّل حياتها إلى جحيم متواصل لاستحالة حصولها على عمل محترم يضمن لها عيشاً كريماً. وبين الاشتياق إلى أفراد العائلة وعدم القدرة على العمل ومد المساعدة لهم وعدم القدرة أيضاً على العودة للاطمئنان عليهم، تمرّ الأيام متسارعة من دون ظهور بوادر حلّ يخرج مريم من هذا المأزق. بملامح السخرية على وجهها الشاحب تواصل مريم حديثها «في رحلة البحث عن لقمة العيش في أوروبا أضعنا كرامتنا. أتذكر جيداً أيام الطفولة والشباب في قريتي الدافئة الجميلة، عايشنا الفقر ولكننا كنا نجد دائماً لقمة ساخنة وثياباً نظيفة وحضناً دافئاً وحباً كبيراً. اليوم أبلغ من العمر تسعة وثلاثين سنة لا أملك مكاناً أقيم فيه. أتنقل للعيش عند بعض الأصدقاء وأحياناً أمضي الليل في محطة القطار أو أدعي المرض لأنام في المستشفى. أشتغل أحياناً بالعمل المنزلي لدى العائلات الفرنسية وأتحمل الإهانة والألفاظ العنصرية من أجل ضمان الحصول على بعض النقود لشراء رغيف الخبز. نعم سرقت أحياناً هواتف المارين أو حقائب النساء في الميترو والأمر الوحيد الذي نجحت في تجنب حدوثه رغم سقوط أخريات في مستنقعه هو عالم الدعارة الذي كان فاتحاً أبوابه الواسعة للحارقات الحائرات». لا تأمل مريم بإيجاد حل يخلّصها من هذا الوضع الشائك. هي تعيش «كل يوم بيومه» وفق تعبيرها، تكسب بعض النقود من العمل بتنظيف المنازل والبنايات، تتصل بعائلتها في شكل دوري، تلاقي أصدقاءها من التونسيين والجزائريين لتمضية أوقات ممتعة وتبحث عن عريس يحمل الجنسية الفرنسية ليخلصها من هذه الورطة». الزواج من مواطن فرنسي هو أمل غالبية الحارقات، كما إنجاب طفل يضمن للمهاجرة مأوى توفره الدولة الفرنسية للأم والرضيع. البحث عن الحب هو الحل «تواصل مريم بابتسامتها الساخرة، ثم تنهي الحديث بنظرة غاضبة» سأبقى هنا ولو كلّفني الأمر حياتي، اعتدت على العيش هنا ولن أعود إلى عائلتي خاوية اليدين. الأمر ليس بذلك السوء فمئات الآلاف من المهاجرين يتدبرون أمرهم بطرق مختلفة وما يخفف علينا ألم الغربة هو التحامنا بعضنا ببعض وقدرتنا على مد يد المساعدة إلى رفاقنا رغم الوضع المزري الذي نعانيه».