بدءاً، لا يمكن لأحد أن يستخف بمصائر البشر، فالإنسان في النهاية هو الأغلى، لكن السياسة لا تعبأ بأي مفاهيم من هذا الطراز، إذ سرعان ما يجري توظيف الدم واستثمار الموت، وهذا ما حدث مؤخراً وهو سقوط الطائرة التي كان على متنها أكثر من مئتين من السياح الروس العائدين إلى بلادهم من شرم الشيخ. وقد توارى حطام الطائرة وما تبقى من أشلاء بشرية منها أشلاء أطفال كانوا يحتضنون الدمى خلف سجالات سياسية وتصريحات منها ما رأى في هذا الحدث فرصة ذهبية للإساءة إلى السياحة في مصر والتي يشكل الروس النسبة العظمى ممن يفضلون قضاء إجازاتهم على الشواطىء المصرية. ورغم كل الدعوات إلى عدم استباق نتائج التحقيق في حادث الطائرة وقراءة ما يحتفظ به الصندوق الأسود. إلا أن بريطانيا أعلنت عن توفر معلومات مخابراتية لديها ترجح أن سقوط الطائرة كان بفعل إرهابي. والسؤال الذي يتكرر الآن في كل من موسكو والقاهرة هو: هل توفرت تلك المعلومات قبيل الحادث أم بعده؟ ولماذا لم تقدم بريطانيا هذه المعلومات لكل من مصر وروسيا؟ وقد جاء تعليق رحلات الطيران إلى مصر وبالتحديد في سماء سيناء سبباً آخر لتقليص الأنشطة السياحية في مصر. والسياحة في مصر ليست مجرد رافدٍ تقليدي في الاقتصاد الوطني، إنها منذ زمن طويل من أهم المصادر المالية، فمصر تضم نحو ثلث أطلال وآثار هذا الكوكب، وهي تجتذب السياح من كل أنحاء العالم. الحكاية أبعد من مجرد سقوط طائرة، سواء كان هذا السقوط بسبب عملية إرهابية أو لأي سبب آخر، ومثل هذا الحادث يقع في كل مكان من العالم، لكن ما يختلف بين حادث وآخر هو الإسراع إلى توظيفه سياسياً. ومصر تتعرض منذ أعوام إلى ضغوط من عدة أطراف، راهنت على عدم تماسك الدولة. وتهيئة المناخ المحلي لحرب أهلية أو مايشبهها! فالنجاة من الفوضى التي سميت خلاقة ممنوع على ما يبدو. لهذا سوف تتعاقب المحاولات لتحقيق الهدف الذي لم يتحقق، ولدى المصريين ومن يقف معهم من أشقائهم العرب إدراك بأن إفشال الرهان على إدراج بلادهم في قائمة الفوضى والنزاعات الأهلية قد لا يكون سهلاً، لكنه ليس متعذراً على الإطلاق! ومن استطاعوا تخطي اللحظة الحرجة والفارقة بين التماسك والتفكك وبين التورط بانتحار وطني واستقرار نسبي. لن يعيدهم حادث حتى لو كان جللاً إلى أول السطر. إنها ليست مجرد طائرة رغم كل محاولات اختزالها. في زمن يدخل فيه الدم إلى مزاد السياسة قبل أن يجف!