أثارت قضية الفساد في البنك المركزي العراقي جدلا واسعا بين السياسيين والاقتصاديين في العراق، تزايد بعد إعلان لجنة التحقيق البرلمانية عن صدور مذكرة قبض بحق محافظ البنك سنان الشبيبي وعدد من المسؤولين فيه، مما أدى إلى انخفاض سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأميركي. وسبق أن نقل عدد من وسائل الإعلام العراقية عن مصادر رقابية أن القضاء العراقي أصدر مذكرة اعتقال بحق الشبيبي بتهم فساد، وأنه هرب إلى خارج البلاد بعد صدور المذكرة، لكن البنك نفى تلك الأنباء، مؤكداً أن المحافظ يشارك حالياً في مؤتمر سنوي بطوكيو وسيعود إلى بغداد. أما عضو اللجنة التحقيقية بشأن عمل البنك المركزي هيثم الجبوري فأكد لوسائل إعلام محلية صدور مذكرات اعتقال ومنع من السفر بحق سنان الشبيبي ومسؤولين آخرين في البنك المركزي. وفي محاولة من الجزيرة نت لاستيضاح حقيقة الأمر اعتذر المستشار في البنك المركزي الدكتور مظهر محمد صالح عن الإدلاء بأي تصريح قائلاً "إن هذا الموضوع شائك ولا يمكنني الإدلاء بأي تصريح بشأنه لأسباب يعلمها الجميع" ملمحاً إلى أن القضية سياسية أكثر مما هي قضائية. حيدر الملا: استقلالية البنك المركزي ضرورة (الجزيرة) الاستقلالية من جهته اتهم النائب عن القائمة العراقية حيدر الملا "بعض القوى السياسية بمحاولة النيل من استقلالية البنك المركزي العراقي". وأكد للجزيرة نت، أن "استقلالية البنك ضرورية للحفاظ على سعر صرف الدينار وحماية العملة ومنع التضخم، محملاً الحكومة مسؤولية التحقيق في عمليات غسل الأموال والكشف عن المستفيدين منها". وأشار الملا إلى أن هذه القضية تأتي بعد فشل الحكومة في محاولة ربط البنك المركزي بالسلطة التنفيذية، لغرض السيطرة على أهم مؤسسة مستقلة وهي البنك المركزي. ويعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الشمري أن هذه القضية تمس أهم مؤسسة مالية في البلاد، "وإذا ما صحت الاتهامات فهذا يعني انهيار السياسة النقدية، ما يجعل التعامل مع البنوك العراقية مدار شك من قبل دول وشركات عالمية". وأضاف الشمري للجزيرة نت أن "عملية بيع الدولار في المزاد العلني التي انتهجها البنك المركزي كانت خاطئة، لأنها تمت وفق معايير خاطئة، وكان الأولى بالبنك المركزي أن يتعامل في صرف الدولار وفق آلية التحويل باعتمادات ومستندات مالية، وهذه السياسة رفعت معدل بيع الدولار من 120 مليون دولار في اليوم إلى 350 مليون دولار". خالد الشمري بيع الدولار من قبل البنك المركزي كان خطأًً (الجزيرة نت) استغلال وأشار الشمري إلى أن هذه الآلية استغلت من قبل البعض في الكسب السريع، ولا سيما أن دولتين تحيطان بالعراق فرضت عليهما عقوبات اقتصادية من الأمم المتحدة، في إشارة إلى إيران وسوريا. وأضاف "لهذا سعت هاتان الدولتان لسحب الدولار من السوق العراقي بأي شكل كان وأخطر ما في الأمر عندما يكون استبدال الدولار بالدينار العراقي المزور الذي ستظهر انعكاساته على الاقتصاد العراقي مستقبلاً". وذّكر الشمري بمحاولات الحكومة العراقية لتحويل مسؤولية البنك المركزي والإشراف عليه من صلاحية السلطة التنفيذية، ويؤكد أن هذه المحاولات فشلت، لأن ربط السياسة النقدية بالسلطة التنفيذية يجعل منها عرضة لمزاجية السياسيين الذين يمسكون بالسلطة. ويقول الخبير المالي والاقتصادي محمد السامرائي إن للبنك المركزي خصوصية تختلف عن كافة المؤسسات الرسمية في أي دولة، ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن عمل البنك المركزي مبني على أساس الاستقلالية والثقة في التعامل مع البنوك العالمية والدول الأجنبية. ويشير السامرائي إلى أن المساس بهذه المؤسسة المستقلة يضر الاقتصاد العراقي ويؤدي إلى عدم الثقة في التعاملات البنكية معه، ويحذر من أن تكون لهذه المؤسسة أية تدخلات سياسية أو حزبية. محمد السامرائي: البنك تعرض لمحاولات ربطه بالسلطة التنفيذية (الجزيرة نت) محاولات السيطرة ويؤكد السامرائي أن البنك المركزي تعرض لمحاولات ربطه بالسلطة التنفيذية لأغراض تتعلق بالسيطرة على كافة المؤسسات المستقلة وتسخيرها لمصالح السلطة التنفيذية، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. ويرى أن المساس بهذه المؤسسة التي ترسم السياسة النقدية للعراق سيجر الاقتصاد العراقي إلى عواقب لا تحمد عقباها، وستعرضه إلى الانهيار في الأمد القريب. من جهته قال النائب عن التحالف الوطني فالح الساري إن استهداف البنك لم يكن جديدا، وإنما كان هناك استهداف سابقا عندما تم الطلب من البنك أن يقرض الحكومة خمسة مليارات دولار، مؤكداً في تصريح صحفيأنه "عندما رفض هذا المبدأ بدأت هناك أشكال متعددة لاستبدال المحافظ والسيطرة على هذه المؤسسة المهمة". يذكر أن وتيرة الاتهامات تصاعدت بشأن عمليات تهريب العملة التي ألقت بظلالها على أسعار بيع الدولار في الأسواق المحلية وأدت إلى زيادة سعر صرفه قبل أشهر، رغم إشادة العديد من المختصين بالشأن الاقتصادي بإيجابيات المزاد في خفض نسب التضخم والسيطرة على قيمة الدينار العراقي.