توقع مختصون نفطيون أن يستمر الأداء الضعيف لسوق النفط الخام خلال الأسبوع الجاري، مع ترجيح تسجيل الأسعار مزيدا من مستويات الانخفاضات السعرية، مع عدم استبعاد تحقيق ارتفاعات محدودة نتيجة لاحتمال تحسن في مؤشرات الطلب أو تصحيح الأسعار بعد تسجيل مستويات قياسية في الانخفاض. واعتبر هؤلاء أن صعود الدولار الأمريكي أمام بقية العملات الرئيسة سيستمر بعد تزايد الاحتمالات برفع الفائدة الأمريكية قبل نهاية العام الجاري، وهو ما سيضعف أسعار النفط نتيجة العلاقة العكسية التي تربط النفط والدولار. وأشار المختصون إلى أن الدولار الأمريكي يتلقى دعما أساسيا من تحسن المؤشرات الاقتصادية في البلاد، بعدما أظهرت بيانات نمو الوظائف وتراجع معدلات البطالة، وتزامن ذلك مع ارتفاع المخزونات النفطية الأمريكية لتنعكس كل تلك العوامل سلبيا على أسعار النفط الخام في السوق الدولية. ويقول لـ "الاقتصادية"، فينسنزو أروتا مدير تسويق شركة "تيميكس أليو" الإيطالية للطاقة، إن استمرار انخفاض أسعار النفط الخام يستفيد منه فقط الدول المستهلكة التي خفضت تكاليف استهلاك الطاقة على نحو واسع، ورغم ذلك نجد أن مستويات الطلب في تلك الدول لا تنمو بشكل جيد بما يؤخر تعافي السوق ويؤدي إلى بطء استعادة التوازن بين العرض والطلب. وأضاف أروتا أن أغلب المنتجين اتجهوا نحو السياسات المالية التقشفية لتخفيف الأعباء واضطرت بعض الدول إلى الاقتراض الخارجي واستهلاك الاحتياطات، ولكن من الضروري عدم التأخر في بذل كل جهد ممكن من أجل استعادة السوق لتوازنه، والوصول إلى مستويات الأسعار العادلة والمناسبة للمنتجين والمستهلكين على السواء. وأشار أروتا إلى أن الآمال معقودة على اجتماع مختصي المنتجين في "أوبك" وخارجها الذي عقد أول لقاءاته في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ومن المقرر أن تعقد اجتماعات مماثلة خلال الفترة المقبلة، كما أن الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك أوائل الشهر المقبل يمكن أن يقدم حلولا لظروف السوق الراهنة، وأن يشهد تنسيقا دوليا واسعا من أجل إعادة الاستقرار للسوق. وشدد أروتا على ضرورة ألا تكون اجتماعات المسؤولين أو المختصين المعنيين بصناعة النفط مجرد لقاءات دورية، وأن تسفر بالفعل عن قرارات فعالة لتنشيط السوق وإنقاذ الاستثمارات بصفة خاصة التي بات تقلصها يهدد بتقلص إمدادات الطاقة والمعروض العالمي في الأمد القريب، وهو أمر ليس من مصلحة نمو الاقتصاد الدولي. وأوضح لـ "الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير "في جي آندستري" الصناعية الألمانية، أن حالة التسابق في الإنتاج والتنافس الشديد على الحصص السوقية جعلت الأسعار تبقى منخفضة لفترة طويلة وتؤجل تعافي سوق النفط الخام. مشيرا إلى أن أعباء انخفاض الأسعار تتفاوت تأثيراتها من دول منتجة إلى أخرى، ولاشك أن البعض يواجه مأزقا خطيرا، خاصة فنزويلا التي تبذل حاليا جهودا وضغوطا دولية واسعة لتقليص الإنتاج دعما للأسعار. وقال شيميل إن التنافس على زيادة الإنتاج والصادرات مرشح للنمو في الفترة المقبلة، مع اقتراب عودة ضخ الصادرات النفطية الإيرانية بمستويات مرتفعة، وفي الوقت نفسه نجد النفط السعودي يحقق نجاحات تصديرية واسعة في شرق أوروبا، بينما يعوض النفط الروسي خسائره في أوروبا بالتوسع في الصادرات إلى الصين واليابان. وأضاف شيميل أنه لا بديل عن مزيد من التنسيق والعمل الجماعي بين المنتجين والمستهلكين وتفعيل برامج الحوار لتترجم إلى آليات قوية ومستمرة لتنشيط السوق؛ لأنه إذا تركت الأمور على النحو الراهن فستتجمد الاستثمارات ويتقلص المعروض العالمي وترتفع أسعار الطاقة إلى مستويات غير متوقعة لن تكون حتى في مصلحة المنتجين؛ لأنها قد تقود إلى عجز في الإمدادات، ويترتب على ذلك اضطرابات وصراعات سياسية لا يعلم أحد مداها. وأشار شيميل إلى ضرورة أن يركز المنتجون في المرحلة المقبلة على ضغط الإنفاق العام وترشيده، وعلى رفع الدعم على الوقود وغيرها من البنود التي تثقل كاهل ميزانيات الدول المنتجة، وفي الوقت نفسه تتوسع في الصناعات النفطية وغير النفطية ذات القيمة المضافة العالية. من جهته، يقول لـ "الاقتصادية"، آندرياس أومباخ مدير شركة "لانديس" الألمانية للطاقة، إن خدمات وإمدادات الطاقة في العالم ستختلف في المستقبل عن السنوات العشر الماضية لأن إمدادات الطاقة أصبحت أكثر ديناميكية تطورت بفضل تنوع الموارد وتسارع عمليات الإنتاج من مصادر تقليدية وغير تقليدية وموارد جديدة ومتجددة واستمرار نمو وتنوع هذه الموارد. وأشار أومباخ إلى أن الاستثمارات الحديثة في مجال الطاقة لابد أن تتسم بالمرونة والتطور والتفاعل الجيد مع المتغيرات الاقتصادية الدولية ومواكبة الاحتياجات والخدمات التي يتطلع إليها المستهلكون على نحو جيد وتنافسي. ونبه أومباخ إلى أن سوق الطاقة اتسع على نحو كبير، وأصبح شاملا لعديد من الأطراف منهم المنتجون والمطورون والمشغلون ومقدمو الخدمات وتجار التجزئة، وهذه الكيانات متنوعة منها الصغير والمتوسط والكبير، وهو ما يتطلب في المقابل مزيدا من التنسيق والتعاون بين كل الأطراف من أجل ضبط الأداء في السوق وتحقيق الاستقرار. وذكر أومباخ أن سوق الطاقة المتغير يتطلب حاليا وفي المستقبل العمل على تطوير نظم الإنتاج والاستثمار، حيث سيتحول نموذج العمل في قطاع الطاقة إلى الأدوار المتعددة، ولن يصبح أحد مجرد منتج فقط للطاقة، بل سيجبره السوق على لعب أدوار أخرى مكملة مثل أن يكون إلى جانب الإنتاج مستثمرا في مجالات تقديم الخدمات وتخزين الطاقة وتسيير وسائل النقل والاستثمار في البنية التحتية.