رغم الأفراح والاحتفالات التي قام بها قادة حزب العدالة والتنمية قبل أنصاره بالفوز في الانتخابات التشريعية في تركيا، والتي اعتبرت فوزاً شخصياً لزعيمه رجب طيب أردوغان، فإن للفوز وجهاً آخر يحمل في ثناياه مخاطر عديدة، أقل ما يقال فيها إنها نقلت البلاد من حالة الأمن والاستقرار النسبي إلى ساحة للاضطراب والفوضى وعودة العنف والصراعات السياسية والقومية والمذهبية، فهل ربح أردوغان وخسرت تركيا؟ يستطيع أردوغان أن يرتاح قليلاً، بعد أن حقق مبتغاه بالحصول على الأغلبية المطلقة في الانتخابات الأخيرة، وضمن إمكانية تشكيل الحكومة بمفرده، وفتح الطريق أمام تحقيق أحلامه وطموحاته التي لا تحد في إمكانية تعديل الدستور لتحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، وبالتالي الإمساك بدفة السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية، وهو يمسكها بالفعل لكنه يحتاج إلى ترسيمها، تمهيداً لإحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة وتنصيب نفسه سلطاناً عثمانياً جديداً باسم السلطان أردوغان الأول. لكن أردوغان المنتشي بالغرور، راح يتصرف، وهو يقطع الخطوات الأولى على هذا الطريق، على غرار السلاطين العثمانيين بالفعل، فبدلاً من اللجوء إلى الحوار والتهدئة وطمأنة البلاد بكل مكوناتها، سارع إلى استثمار فوزه في الانتخابات بإعلان الحرب على كل خصومه السياسيين، بدءاً من الأكراد بإرسال طائراته لضرب مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وجنوب تركيا، معلناً أنه لن يتوقف حتى تصفية آخر مقاتل كردي، مروراً بالحملات الأمنية الواسعة ضد أنصار حليفه السابق الداعية فتح الله غولين، والذين يعتبرهم كياناً موازياً في الدولة، إلى قمع الحريات من خلال حملات الإرهاب والتخويف واعتقال الصحفيين وإغلاق الصحف ومحطات التلفزة لإسكات المعارضة، ولم ينس، في خضم هذه الخطوات أن يذكرنا بأن حكومته تدرس إمكانية الهجوم على تنظيم داعش رداً على تفجيري أنقرة الشهر الماضي، من دون أن يقول أين ومتى وكيف؟ ولا ندري إذا كان يدور بخلد أردوغان، وهو يقود هذه الحرب، أنه يقود البلاد نحو الديكتاتورية ويحول النظام إلى نظام استبدادي بامتياز، حتى قبل أن يتمكن من اتخاذ الخطوات الإجرائية لتعديل الدستور. وهنا لا بد أن نتوقف أمام حقيقتين: الأولى أن أردوغان يخاطر باستعداء كل القوى السياسية وغير السياسية، وتحويل البلاد إلى ساحة حرب، وقد دفع بالفعل حزب العمال الكردستاني إلى إنهاء وقف إطلاق النار الذي أعلنه من جانب واحد قبيل الانتخابات، ويدفع بقوى الإرهاب للعودة ثانية إلى لغة العنف والتفجيرات الدموية. والثانية، أنه بات يواجه قيوداً حقيقية تجاه حرية الحركة في المنطقة، وأطماعه فيها، بما في ذلك إمكانية إقامة أي مناطق عازلة بعد التدخل الروسي في سوريا. وبغض النظر، سواء نجح أردوغان في تعديل الدستور أو لم ينجح، فإن فوزه في الانتخابات يحمل طعم الخسارة لتركيا، التي لن يتأخر الوقت لتجد نفسها مكبلة بقيدين، دولة استبدادية يقودها أردوغان وحزبه، وانتهاء الدور الإقليمي أو عدم القدرة على التأثير في المنطقة، وهو ما قد يفتح شهية المؤسسة العلمانية، والجيش تحديداً، لوضع حد للدكتاتورية الجديدة، والإطاحة بأحلام أردوغان كما سبق أن فعل مع عدنان مندريس من قبل. younis898@yahoo.com