لأنه يعرف جيداً طبيعة الثائر السوري، ويدرك جيداً أنه لن يعود أو يفاوض أو يقبل بأقل من تنحّي بشار ومن معه، أي أن الخيارات أمام الثائر محدودة فإما الموت أو سقوط النظام، أي خيار ثالث لا يعني أكثر من العودة للخيار الأول (الموت)، فالخياران وضعهما الشارع الثائر أمام النظام الذي اعتبره خياراً واحداً محصوراً بالموت، لأنه يعتبر السقوط أو التنحي أمراً مهيناً ومُعيباً، خاصة إذا كان مفروضاً من الشعب، وليس مثلاً من جهة أُخرى أكثر دبلوماسية تقايضه على الرحيل وتعطيه ضمانات أو تجعله يتظاهر بأن التنحي أتى عن قناعة وخطوة للديمقراطية. لهذا لم يكن قمع الثالث مؤلما: إفشالها فقط هو خيار النظام، بل يستوجب الأمر اجتثاث الثائرين، وهو ما تم حيث القتل والقتل، ومهما فعل الثوّار أو الجيش الحر فإنه لا يقوم بأكثر من الدفاع في كل الحالات، أو كما يُقال بالمصطلح الشرعي (دفع الصائل)، سيّما وإن النظام هو الأقوى تسليحاً والأكثر في تلقي الدعم سواء اللوجستي أو حتى تزويده بالأسلحة والمقاتلين، لهذا حصل على ما يُريده وهو المراهنة على الوقت، وحصل على أكثر مما يتوقع وأكثر مما ينبغي، فالمجتمع الدولي أصبحت القضية السورية بالنسبة له محصورة في القضاء على الترسانة الكيماوية لبشّار، وكيفية القضاء عليها، الأمر الذي سيستغرق شهوراً قادمة، فهو أبدى تعاوناً مع المجتمع الدولي بهذا الشأن رغم أن هذا التنازل يعتبر نصراً عظيماً له، ليس فقط لعدم أهمية هذا السلاح بالنسبة له، بل لأنه سيمنحه مزيداً من الوقت لاجتثاث الثورة، ولأنه عد ذلك نجاحاً نسبياً، حيث حوّل القضية من كونها ثورة شعب يُسحق من قبل النظام إلى كونها قضية امتلاك أسلحة محرّمة، هذه كانت خطوة أولى للنظام، فيما كانت الخطوة الثانية عبر حلفائه في المنطقة الذين حاولوا وما زالوا يحاولون إبعاد أنظار العالم عن سوريا، سواء عن طريق إيران التي أبدت (تعاوناً) مع المجتمع الدولي بشأن مفاعلاتها النووية، أو عبر مشاغبيه الصغار الذين يحاولون اختلاق مفرقعات جانبية بعيدة عن سوريا، كتفجير السفارة الإيرانية في بيروت، أو على الأقل استغلال التفجير لخلق جبهات أُخرى ولو وهمية كالحركات الصبيانية التي تفتعلها ميلشيات مدعومة على الحدود السعودية، كل ذلك في سبيل أن يواصل النظام السوري تدميره الكامل للإنسان ليبقى هو فقط.. أخيراً نُعيد السؤال المؤلم: هل نجح بشّار في إدارة المعركة عبر حلفائه؟ الجواب مع الأسف- نعم!