نجح حزب «العدالة والتنمية» في تصدر المشهد السياسي في تركيا من جديد مُتغلبا على جميع التوقعات التي كانت تأخذه باتجاه تشكيل حكومة ائتلافية، وتمكن الحزب في الانتخابات التشريعية التي جرت، يوم الأحد الماضي، من رفع نسبة أصواته إلى ما يقارب الثماني نقاط بفارق انتخابات السابع من يونيو الماضي، ليحصل بهذه النتيجة على العدد الكافي وما يزيد لتشكيل حكومة وحده، وطبقا للنتائج شبه الرسمية فإن النتائج كالتالي: حصل حزب «العدالة والتنمية» على نسبة 49.38% ليضمن 316 مقعدا في البرلمان حصل حزب «الشعب الجمهوري» على نسبة 25.44% بعدد 134 من المقاعد البرلمانية حصل حزب «الحركة القومية» على نسبة 11.97 ليحصل على 41 مقعدا في البرلمان حصل حزب «الشعوب الديمقراطية» الكردي على 10.63% بعدد 59 مقعدا برلمانيا وفي خطاب الفوز من شرفة مقر حزبه في «أنقرة»، وهب زعيم حزب «العدالة» أحمد داود أوغلو هذا الفوز للأمة التركية والديمقراطية مُتعهداً بالعمل من أجل تلبية طموحات الشعب وتحقيق المزيد من النهضة. وتسجل هذه النتائج تفوق حزب «العدالة والتنمية» في رفع نسبة أصواته فيما تمكن حزب «الشعب الجمهوري» العلماني من المحافظة على أسهمه الشعبية دون نقصان إلا أن المفاجأة الكبرى كانت في ذوبان أصوات حزبي «الحركة القومية» اليميني المتشدد و «الشعوب الديمقراطية» الكردي بشكل فاق كل التوقعات إذ بينما ترجعت أصوات «الحركة القومية» فقد خاض حزب «الشعوب الديمقراطية» معركة صمود ومصير وتمكن بشق الأنفس من تجاوز عتبة العشرة بالمائة التي تؤهله للدخول إلى البرلمان لكنه مع ذلك نجح في انتزاع المرتبة الثالثة من «الحركة القومية» بعدد المقاعد البرلمانية. وكان الحزب القومي المتشدد هو الخاسر الأكبر بعد أن سلم مكانه إلى من يصفه «بعدوه الكردي اللدود». وطبقا لبعض المراقبين، فإن خريطة الطريق التي اتبعها الحزب القومي بعد انتخابات السابع من يونيو ورفضه الدخول في حكومة ائتلافية مع حزب «الشعوب الديمقراطية» الكردي قد أثار غضب الناخبين القوميين الذين قرروا معاقبته والانحياز للهوية الدينية على حساب القومية باعتبار أنه فوت فرصة ثمينة لإنهاء الحكم المطلق لحزب «العدالة والتنمية» ما أدى إلى عزوفهم عن صناديق الاقتراع فيما اتجه البعض منهم لدعم «العدالة والتنمية» بحثا عن أمن واستقرار للبلاد بعدما عانته في ظل الشهور الأربعة الماضية من ويل الأزمات الأمنية والاقتصادية ونزاعات واشتباكات داخلية مع حزب «العمال الكردستاني» لذا كان الاستقطاب واضحاً لدرجة أن من لبى النداء للتصويت تجاوز نسبة الـ86 بالمائة. يظل ما حدث شأنا تركيا داخليا لكن بالاضافة للمختصين والمتابعين للشأن التركي فقد كان من الواضح وجود اهتمام وتغطية إعلامية ومتابعة شعبية من قطاعات كبيرة في العالم العربي للانتخابات التركية، وهذا أمر صحى وجيد إذا حُسب أنه مؤشر لتحسن العلاقات العربية التركية، لكن المُثير أن هناك من حاول أن يجعل من فوز حرب العدالة والتنمية انتصاراً لتيار سياسي ومعنوي مُحدد في الوطن العربي وهزيمة لخصومه من الحكومات والنخب، بل هناك من صور هذا الفوز على أنه هزيمة لأعداء الدين وأنه نصر للإسلام والمسلمين والمستضعفين في الارض. هناك للأسف تيار متطرف -وإن كان قليلا- يحاول شق الصف الوطني والعربي عبر إقحام ما يحدث في تركيا في الداخل العربي وهدفه خلق حاله خصومة بين بعض الاحزاب التركية وبين الجمهور العربي وعبر استخدام الاسلوب الإقصائي حيث لسان حالهم يقول «إما أن تناصر ذاك الحزب وإلا فأنت معاد للدين ولتركيا».