قال 66 في المئة من البحرينيين المشاركين في استطلاع إقليمي إن وضع البيئة في بلدهم تراجع خلال السنوات العشر الأخيرة، فيما وجد 21 في المئة أنه تحسن، و13 في المئة أنه بقي على حاله. وأبدى 86 في المئة استعدادهم لتغيير عاداتهم الغذائية و68 في المئة لدفع أسعار أعلى للمياه والكهرباء، إذا كان هذا يساهم في ترشيد الاستهلاك ورعاية البيئة. في حين وجد معظم البحرينيين أن التحديات البيئية الثلاث الأولى تتمثل في ازدحام السير والتلوث الصناعي وتلوث البحار. هذه بعض النتائج الخاصة بالبحرين التي أظهرها استطلاع للرأي العام العربي أجراه المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في 22 بلداً عربيّاً، وتعلن نتائجه ضمن التقرير الذي يطلقه «أفد» في مؤتمره السنوي الثامن، الذي يعقد في بيروت في (16-17 نوفمبر / تشرين الثاني 2015) وشاركت «الوسط» في تعميم الاستطلاع، الذي تم تنفيذه عبر الإنترنت خلال فترة ستة أشهر. أرقام البحرين تتوافق مع النتائج العامة للاستطلاع، الذي أظهر أن الجمهور العربي مستعد لأن يدفع أكثر مقابل الحصول على الخدمات، وأن يدخل تغييرات في أنماط الاستهلاك، إذا كان ذلك سيساعد في الحفاظ على الموارد وحماية البيئة. لكن حسن نيات الجمهور وأمنياته، كما يتبين في نتائج الاستطلاع، لا يكفي؛ لأن تحويل التغيير الى أفعال يتطلب من الحكومات تهيئة الظروف الممكِّنة الملائمة. ولئن يكن وعي الجمهور وتثقيفه أداتين مهمتين لإثبات منافع الاستهلاك المستدام على صحة الانسان ورفاهيته، فلا مفر من الأنظمة والحوافز لتحويل النيات إلى أفعال. على سبيل المثال، لا يُتوقع من الجمهور أن يقتصد بالطاقة والمياه على نطاق واسع ما دامت الأسعار مدعومة الى حد كبير. ولن يتم نشر الطاقة المتجددة على نطاق واسع ما دامت أشكال الوقود التقليدية تباع بجزء من سعرها الحقيقي في السوق. وكذلك، لن يكون التخلص التدريجي من الدعم مقبولاً ما لم ترافقه فوائد اقتصادية واجتماعية مباشرة، وخصوصاً خلق فرص عمل، وتوفير التعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى تأمين مستويات دخل ومعاشات تقاعد لائقة. عندما تقبل غالبية عظمى من الجمهور العربي نسبتها 84 في المئة أن تأكل سمكاً أكثر من اللحم الأحمر، وهذا أفضل للبيئة وللصحة أيضاً، تبقى الحقيقة أن النيات الحسنة لا يمكن تحويلها أفعالاً ما لم يتوافر السمك بكميات كافية وبأسعار يتحملها الجميع. وضع البيئة من بين 31,000 شخص شملهم استطلاع «الاستهلاك المستدام»، أشار 72 في المئة إلى أن حالة البيئة في بلدانهم ازدادت سوءاً خلال السنين العشر الماضية. هذا يشكل زيادة كبيرة نسبتها 20 في المئة على التصنيف السلبي في استطلاع أجرته مجلة «البيئة والتنمية» العام 2006، الذي بلغ حينذاك 60 في المئة. ومن الجدير ذكره أن نتائج العام 2006 أظهرت تحسناً كبيراً عن استطلاع مشابه في العام 2000، عندما قال 85 في المئة إن حالة البيئة ازدادت سوءاً. هذا يعني أن ما اعتبره الجمهور العربي كسباً للبيئة بين 2000 و2006 تلاشى بين 2006 و2015. وسُجل أكبر هبوط في الثقة في البلدان التي شهدت حروباً ونزاعات. وتقدم تونس مثالاً بارزاً، إذ سجلت العام 2006 أعلى نسبة من الأشخاص الذين اعتقدوا أن البيئة أصبحت أفضل (54 في المئة)، في حين هبطت هذه النسبة العام 2015 إلى 4 في المئة فقط، واعتبر 84 في المئة أن حالة البيئة ازدادت سوءاً، وقال 12 في المئة إنها لم تتغير. وفي البحرين قال 66 في المئة من المشاركين إن وضع البيئة تراجع خلال 10 سنوات في ما رأى 21 في المئة أنه تحسن. ورأى ما معدله 82 في المئة في أنحاء المنطقة العربية أن الحكومات لم تفعل ما يكفي للتصدي للتحديات البيئية. هذه النسبة سجلت في البحرين مستوى أقل عن المعدل الإقليمي وصل الى 79 في المئة. وكانت غالبية الأشخاص المستائين في لبنان وفلسطين والسودان (أكثر من 90 في المئة في هذه البلدان الثلاثة). تصدرت إدارة النفايات الصلبة وازدحام حركة السير وعدم كفاءة استعمال المياه والطاقة التحديات البيئية، وتلاها التلوث الصناعي ونوعية الهواء والتخلص من مياه الصرف وسلامة الغذاء. وفيما بقيت الأولويات العشر الأولى على حالها العام 2015 كما كانت في 2006، كان لافتاً انتقال ازدحام حركة السير من الترتيب 11 إلى الترتيب 2، ما يعكس تعاظم خطورة اكتظاظ الطرق وبؤس نظم النقل العام في المنطقة العربية. وجاءت أولويات البحرين كما يلي: ازدحام السير، التلوث الصناعي، تلوث البحار. وفي حين قال 91 في المئة من المشاركين في الاستطلاع من البحرين إن تغير المناخ يشكل تهديداً حقيقيّاً لبلدهم، لم يتجاوز المعدل الإقليمي 88 في المئة. وهذا يمثل زيادة 5 في المئة على أولئك الذين أجابوا على نحو مماثل عام 2006. ولعلّ الأحوال المناخية القاسية التي شهدتها بعض أجزاء المنطقة خلال السنوات الماضية، بما في ذلك الإعصار «جونو» في عُمان والعواصف المطرية القوية المتكررة في غير أوانها في بلدان الخليج وموجات الجفاف الطويلة في أجزاء أخرى، شكلت أسباباً رئيسية لهذا التحول في الآراء. كما أن الدليل العلمي الأقوى والوعي البيئي الأفضل حول تغير المناخ ساهما في هذه النتيجة. أنماط الاستهلاك أظهر الاستطلاع مستويات مقبولة من الوعي الجماهيري على المستوى الإقليمي لأمور بيئية تتعلق بأنماط الاستهلاك. وفي حين يدرك 72 في المئة من المجيبين أن المنطقة هي الأفقر بالموارد المائية في العالم، يعلم 77 في المئة أن مستوى استهلاك المياه والطاقة في بعض البلدان العربية هو من بين الأعلى. وعند الطلب من المشاركين تحديد السبب الرئيسي لارتفاع استهلاك المياه والطاقة على المستوى المنزلي، عزت غالبية بنسبة 46 في المئة السلوك المهدر الى قلة الوعي. وألقى 6 في المئة فقط اللوم على دعم الأسعار، حيث أتت النسبة الأعلى بالمقارنة مع المعدل الإقليمي من عُمان والإمارات والكويت (46 و19 و18 في المئة على التوالي). وهذا يمكن تفسيره بما شهدته البلدان الثلاثة من نقاشات حامية حول المسألة خلال العامين الماضيين، حيث أيد المسئولون التخلص التدريجي من الدعم. وأتى أقوى بيان ضد الدعم من وزير النفط والغاز العُماني، الذي أعلن العام 2013 أن «ما يدمرنا حقّاً في الوقت الحاضر هو الدعم. علينا ببساطة أن نرفع سعر البترول والكهرباء». وفي البحرين وضع 36 في المئة من الناس اللوم على قلة الوعي و5 في المئة على دعم الأسعار و8 في المئة على أحوال الطقس، فيما اعتبر 50 في المئة أن الهدر في استهلاك المياه والطاقة يعود إلى كل هذه الأسباب مجتمعة. مثال آخر على أن المواقف والتدابير الرسمية تساعد في تشكيل الرأي العام هو أن 85 في المئة من المجيبين قالوا إنهم يستعملون مصابيح مقتصدة بالطاقة، في حين يستعمل 45 في المئة فقط أجهزة مقتصدة بالمياه في المنزل. هذه نتيجة برامج مكثفة جعلت المصابيح الاقتصادية متوافرة وسهلة المنال في الأسواق، بما في ذلك توزيعها مجاناً في بلدان مثل مصر والمغرب ولبنان والإمارات، مقارنة مع دعم هزيل لتسويق الأجهزة المقتصدة بالمياه. وفي البحرين قال 76 في المئة إنهم يستخدون مصابيح مقتصدة بالطاقة و54 في المئة أجهزة مقتصدة للمياه. ومن باب المتابعة، سُئل المشاركون عما إذا كانوا على استعداد لأن يدفعوا أكثر مقابل الحصول على المياه والكهرباء والوقود، إذا ساهم ذلك في استخدام أكثر استدامة للموارد الطبيعية. السؤال جعل الاقتراح مشروطاً بتعويض ارتفاع الأسعار (نتيجة التخلص التدريجي من الدعم) من خلال تقديم فوائد مباشرة تشمل رفع الرواتب وتحسين فرص العمل والتعليم والضمان الصحي ومعاشات التقاعد. وافق 77 في المئة على المستوى الإقليمي (68 في المئة في البحرين) أن يدفعوا أكثر عندما يكون ذلك جزءاً من رزمة، مقارنة مع 6 في المئة فقط نسبوا الهدر في استعمال المياه والطاقة الى الدعم. هذا يمثل إشارة واضحة إلى أن الناس يقبلون التغيير عندما يكون رزمة مدعومة بالشروط التمكينية الصحيحة، بما فيها الحوافز المناسبة. كانت الكفاءة الدافع الأول لمعظم المجيبين (42 في المئة) عند شراء سيارة أو جهاز كهربائي، ما يعكس مزيداً من الاهتمام بتوفير الطاقة. وأعقبتها العلامة التجارية ثم السعر. وكان الاقتصاد في الوقود والكهرباء أقل أهمية في البلدان التي تشهد دعماً كبيراً للأسعار، إذ بلغت نسبة منخفضة لا تتعدى 16 في المئة في قطر، مقارنة بنسبة مرتفعة مقدارها 72 في المئة في الأردن. يشار إلى أن الأردن كان رائداً إقليميّاً في ترويج السيارات الهجينة (هايبريد) والمقتصدة بالوقود، من خلال توفير برنامج للتخفيض الضريبي. في البحرين كان حجم السيارة وطرازها ونوعها العامل الأول في الاختيار (55 في المئة) وكفاءة استهلاك الوقود (23 في المئة) تلاه السعر (22 في المئة). وكانت السعودية البلد العربي الأول الذي يعتمد بطاقة اقتصاد بالوقود ومعياراً لاقتصاد الوقود في المركبات المستوردة، وذلك ابتداء من العام 2014. وينتظر أن تظهر نتائج هذه الخطوة في المستقبل، وخاصة اذا ترافقت مع تدابير مالية تشجع السيارات ذات المحركات الكفوءة وتضع رسوماً أعلى على المحركات الكبيرة ذات الانبعاثات العالية. كشف الاستطلاع عن أن نسبة متساوية من المجيبين استعملت السيارات الخاصة والنقل العام كوسيلتين رئيسيتين للتنقل (47 في المئة لكل منهما)، فيما الـ6 في المئة المتبقية تستعمل الدراجات النارية والدراجات الهوائية. الاستعمال المكثف للسيارات الخاصة في بلدان مجلس التعاون الخليجي (89 في المئة في المتوسط و99 في المئة في البحرين) يفسره ارتفاع مستويات الدخل وأسعار الوقود المنخفضة جداً والافتقار إلى نظم حديثة للنقل العام. وكان لبنان استثناء بالنسبة إلى بقية البلدان العربية، إذ 72 في المئة يستعملون السيارات الخاصة، وهذه نسبة مذهلة تعكس تخلف نظم النقل العام. وفيما وافق 82 في المئة من المجيبين على المستوى الإقليمي على التشارك بسيارة شخصية مع آخرين للذهاب إلى العمل، فإن تحقيق خطة من هذا النوع على نطاق واسع قد لا يكون ممكناً إلا إذا دعمتها برامج للمشاركة في السيارات تخصص أماكن عامة في مواقع استراتيجية لالتقاء السائقين وتشارك السيارات. أفاد معظم المشاركين (89 في المئة) أنهم يدركون أن البلدان العربية تستورد نصف المنتجات الغذائية الأساسية التي تستهلكها، وفضَّل 88 في المئة الغذاء المنتج محليّاً على الغذاء المستورد (89 في المئة في البحرين). وأظهرت وتيرة استهلاك المأكولات السريعة أنماطاً معتدلة، إذ يشتريها 61 في المئة مرة الى خمس مرات في الشهر، و21 في المئة لا يتناولونها على الإطلاق. واقتصرت نسبة الذين يشترون مأكولات سريعة أكثر من 6 مرات في الشهر على 18 في المئة. شكلت كلفة الغذاء الجزء الأكبر من دخل الأسرة، بالمقارنة مع المياه والطاقة، إذ بلغت أكثر من 10 في المئة لدى 62 في المئة من المجيبين. وفي المقابل، أنفق 4 في المئة فقط أكثر من 10 في المئة من دخل الأسرة على المياه والكهرباء. تغيير العادات الغذائية قضية جوهرية، تنطوي على قيم وتقاليد اجتماعية وثقافية معقدة. وقد تمنع موارد المياه المتضائلة البلدان من إنتاج كمية كافية من محصول تقليدي، مثل الرزّ، لسكان يزداد عددهم باستمرار. وهذا ينطبق أيضاً على اللحم الأحمر، حيث تربية الماشية نشاط كثيف الاستهلاك للمياه. وبالاضافة إلى ذلك، تنتج الأبقار بشكل خاص مستوى مرتفعاً من الغازات الدفيئة، ما يزيد حدة تغير المناخ. فهل الناس على استعداد للتحول إلى منتجات أخرى تستهلك كميات أقل من المياه وتكون أكثر رأفة بالبيئة، مثل أصناف بديلة من الحبوب والأسماك والدجاج؟ إذا كان تغيير العادات الغذائية سيحمي البيئة، فإن 84 في المئة من المشاركين في الاستطلاع (86 في المئة في البحرين) على استعداد للمضي فيه، في حين أن غالبية نسبتها 99 في المئة تمضي فيه إذا كان سيحمي صحتها، مثل مكافحة البدانة والسكري والدهون في الدم. وباعتبار أن ما هو أفضل للصحة هو أفضل للبيئة، كما تظهر معظم الحالات، فإن النتائج قد تشير إلى أن مقاربة جيدة لترويج تغيير إيجابي في أنماط استهلاك الغذاء هي التركيز أكثر على الفوائد الصحية؛ لأن إدراكها أسهل على الجمهور. الاستنتاج الرئيسي لاستطلاع الرأي العام الذي أجراه «أفد» حول أنماط الاستهلاك المستدام هو أن الجمهور العربي على استعداد لتبني وتنفيذ تغييرات عميقة في طريقة استهلاك المياه والطاقة والغذاء، شرط أن يتلازم هذا التحول مع شروط وحوافز ممكِّنة ملائمة. ولا يمكن ترويج منتجات وممارسات بديلة إلا من خلال تدابير تجعلها متاحة وسهلة المنال بأسعار تنافسية.