يبدو أن الشرق الأوسط كما نعرفه أصبح شيئاً من الماضي، فلا الدول ستبقى ذات الدول ولا الحدود ستكون ذات الحدود، هي نتيجة حتمية للأحداث في منطقة الشرق الأوسط عموما ومنطقتنا العربية بشكل خاص. قبل سنوات سمعنا عن نظريتي (الفوضى الخلاقة) و(الشرق الاوسط الجديد) ورأينا كيف كانت الهجمة على تلكما النظريتين وانها ظهرت لخدمة المصالح الغربية على حساب شعوب المنطقة العربية تحديدا ومقدراتها، وفهمنا ان المنطقة على شفا تغيير يلائم المصالح الغربية، بل ان الامر ذهب الى ابعد من ذلك عندما ظهرت خرائط تفصيلية توضح كيف سيكون عليه الوضع بعد تنفيذ النظريتين على ارض الواقع حيث اشتملت تلك الخرائط على دويلات هنا وهناك كانت في الاساس دولة واحدة. الموضوع ليس بجديد ولكن هناك جديد فيه وهذا ما دعاني لنبشه مرة اخرى ذاك هو تصريح مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه في واشنطن خلال مؤتمر حول الاستخبارات الاسبوع الماضي ان "الشرق الاوسط الذي نعرفه انتهى الى غير رجعة"، مؤكدا ان دولا مثل العراق او سورية لن تستعيد ابدا حدودها السابقة. وقال باجوليه مدير الادارة العامة للامن الخارجي "دي جي اس ايه" في المؤتمر الذي شارك فيه ايضا مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" جون برينان ان "الشرق الاوسط الذي نعرفه انتهى وأشك بأن يعود مجددا". واضاف "نحن نرى ان سورية مقسمة على الارض، النظام لا يسيطر الا على جزء صغير من البلد: ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. الشمال يسيطر عليه الاكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها داعش" . واكد ان "الامر نفسه ينطبق على العراق"، مضيفا "لا اعتقد ان هناك امكانية للعودة الى الوضع السابق". واعرب باجوليه عن "ثقته" بأن "المنطقة ستستقر مجددا في المستقبل، ولكن وفق اي خطوط؟ في الوقت الراهن لست اعلم. ولكن في مطلق الاحوال ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية". واضاف ان "الشرق الاوسط المقبل سيكون حتما مختلفا عن الشرق الاوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية". بدوره ابدى مدير السي آي ايه وجهة نظر قريبة من وجهة نظر نظيره الفرنسي. وقال برينان "عندما انظر الى الدمار في سورية وليبيا والعراق واليمن يصعب عليّ ان اتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة او سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية". هذا حديث ارفع مسؤولين استخباريين في دولتين من دول مجلس الامن دائمة العضوية، اي انها تصاريح مسؤولة ومبنية على وقائع محددة على الارض، ولكن الذي لم نعرف هو تلك المساحات الجغرافية التي اصبحت خارج سيطرة الدول كيف سيكون وضعها؟ بالتأكيد لن تكون مناطق محايدة بل ستكون فيها كيانات جديدة لم نعرف من قبل او بمعنى اخر هو اعادة تشكيل الخارطة العربية على اسس القرن الواحد والعشرين الذي من المفترض ان يحقق اهداف ورؤى من فكّر في الشرق الاوسط الجديد ونفذه بالفعل على الارض او بدأ في تنفيذه على اقل تقدير. السؤال الذي يطرح نفسه: هل الأمر سيتوقف عند تلك الدول التي ذكرها مديرو الاستخبارات أم انها مجرد البداية؟