في الوقت الذي تئن فيه جُلّ مستشفياتنا ومراكزنا الصحية من النقص الحاد في الكوادر التمريضية السعودية المؤهلة، ولاسيما من حَمَلة "البكالوريوس"، ما زالت تتحطم آمال الكثير من شباب وشابات هذا الوطن من خريجي الكليات الصحية والجامعات، من داخل السعودية وخارجها، بواقع مرير، يلغي أهمية شهاداتهم وما حملته جعبتهم الدراسية المتميزة لسنوات طويلة، إضافة إلى ما تم تطبيقه علمياً وعملياً؛ وذلك بفعل أسئلة تعجيزية، تمارسها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية على المتقدمين لها للحصول على بطاقة التصنيف المهني؛ إذ يُفاجَؤون بمضامين اختبار خارجة عن تخصصاتهم؛ لتشكِّل عائقاً كبيراً أمام المستقبل الوظيفي لهذه الفئة. إن ما يعانيه هؤلاء الخريجون بفعل هذه الأسئلة القمعية وغير المبررة، والمنفصلة عن نطاق تخصصاتهم الدراسية، التي أفرزت في أوساطهم نسبة رسوب مخيفة، تتجاوز 80 في المئة من مجموع المتقدمين للحصول على بطاقة التصنيف، يطرح الكثير من التساؤلات حول الهدف من تطبيق الهيئة هذه السياسة المجحفة التي تحرم الخريج من حقه الطبيعي في الحصول على فرصة العمل. والسؤال: لماذا لا يتم اعتماد أسئلة من رحم تحصيلهم الدراسي بدلاً من الاستعانة بهذه الأسئلة التي تقوم بالإشراف عليها شركة كندية بمناهجها المنفصلة عن المناهج المطبَّقة هنا؟! في هذا الشأن يظن الكثير من المتقدمين لهذه الاختبارات أنهم بحاجة للبعثات والدورات التأهيلية لتجاوز اختبار الهيئة البعيد عن تخصصهم الذي درسوا فيه، إضافة إلى حاجتهم للحصول على خبرة لا تقل عن 5 سنوات؛ ليتمكنوا من فك رموز هذه الأسئلة التعجيزية التي لا علاقة دراسية تربطهم بها؛ ليكتشفوا أن الواقع الذي اصطدموا به أكبر بكثير مما حصدوه دراسياً، وتم تقييمهم عليه عملياً في مستشفياتهم ومراكزهم. مع الأسف، هذا المشروع الذي تتبناه هيئة التخصصات "التعجيزية" هو مشروع بات يعطل التنمية في الكوادر الصحية في مستشفيات السعودية، ويحوّل هذه الطاقات الشابة المتحمسة إلى عاطلين، يقفون على قارعة طريق الهيئة لسنوات بنصف شهادة دون فائدة ترجى؛ وتبقى الأسئلة تتردد: لماذا لا يتم الاكتفاء بشهاداتهم العلمية المعتمدة، إضافة للتقييم العملي الذي مارسوه عاماً كاملاً تحت إشراف لجان تدريبية متخصصة، ويتم تقييم مستوياتهم بناء على ذلك؟! ولماذا لا يتم تطبيق هذا التصنيف بعد مرور خمس سنوات من التحاق الممارس بعمله الوظيفي، ويكون المجس لذلك ممارسة العمل؟ ختاماً: هل سيضطر أبناؤنا وبناتنا من الخريجين المحبطين، الذين تفترس بعضهم ظروف الحياة الصعبة، للوقوف على قارعة الطريق، والبحث عن فرصة عمل تصنعها لهم المصادفات التي تشبه تلك المصادفة التي تحمل ملامح من قصة الممرضة "أريج"، بعد أن حكمت هيئة التخصصات عليها بالفشل، فأنصفها التطبيق العملي والموقف البطولي؟!