منذ أن دخل الإسلام السلطوي ـ كمفهوم قبل أن يكون ممارسة ـ إلى الإسلام والإسلام وأهله يعانون من الصراع فيما بينهم، فالإسلام ونتيجة لتشويه أتباعه له قد أصبح لديه مبدأ القوة في تغيير المعتقد سواء المعتقد الأصلي وهو الديانة أو بعض فروع الديانة، وسواء كان هذا التغيير موجها للدول من خلال الجهاد المشوه أو للأفراد من خلال الحسبة أو الأمر بالمعروف اليدوي أو حد الردة، أو تحت شعارات صغرى متفرعة عن الجهاد والأمر بالمعروف مثل إن الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن، وسياسة الدنيا بالدين وغيرها، إلى أن بدا الإسلام لا يعرف إلا بحجم السلطة التي يتضمنها بل لا يوجد إلا بوجود الدولة نفسها والدولة لا توجد إلا بوجود سلطة قهرية دينية، ولو دققنا في الجهاد والأمر بالمعروف اليدوي لن نجد نصوصا تحولهما لسلطة وإنما تفسيرات وأفهاما سطحية للنصوص، وسوف أركز هنا على مفهوم الأمر بالمعروف اليدوي لأن التحريف قد طاله أكثر من الجهاد مع قلة إعادة النظر في مفهومه فيندر أن نجد من يطالب بإعادة النظر في معناه، بخلاف الجهاد فقد تم التركيز عليه كثيرا وخاصة في ظرفه وإنزاله على الحالات، فالأمر بالمعروف اليدوي ما زال سلطة دينية تمارس على الأفراد بالطريقة القروسطية من قبل دول شيعية أو سنية فلا فرق بينها في ذلك، وهي السلطة التي تمنع من ممارسة الشعائر أو ممارسة شعائر بالقوة، وبعضها أداة قمع لدى بعض الحكام وسلطة إضافية تضاف لسلطاتهم. إن الأمر بالمعروف قد تم تقزيمه بفعل التسييس الذي حصل له على مر التاريخ ليتحول إلى سلطة وينتزع من كونه قيمة إنسانية نضالية إلى أن يكون سلطة يمارسها العسكر، واختلط معناه بمصطلح الحسبة والتي تعني الرقابة، مع أن الحسبة شيء والأمر بالمعروف شيء آخر، فالحسبة هي ما يعرف بالرقابة في زمننا والأمر بالمعروف هو الدعوة إلى الخير والفضيلة، وكلمة الأمر هنا لا تعني السلطة أو الأمر الصادر من السلطة وإنما تعني الطلب القوي كقولنا فلان يأمر بالجود والكرم أي يحث عليه، ولو تتبعنا النصوص القرآنية والنبوية لما وجدنا أي معنى يخدم هذا المعنى الأمني أو السلطوي، فإذا أطلق لفظ الأمر بالمعروف قرآنيا فانه يراد به التوجيه والإرشاد والدعوة، ولكن الفرق بين الأمر بالمعروف وبين الدعوة أو الإرشاد هو أن الأمر بالمعروف يكون بتركيز وكثافة أعلى، أو أن الفرق هو أن الدعوة لأساس الدين أو أصوله والأمر بالمعروف هو الدعوة لجزئياته المهمة لكن على أي معنى هو بلا سلطة، فلو أخذنا قوله تعالى الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل فسنجد أن معناها يحثونهم عليه بقوة وحماس وهؤلاء الآمرون من اليهود لم يكونوا في موضع سلطة، وكل ألفاظ الأمر بالمعروف في القرآن هي من هذا القبيل، كقوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف ومثلها على لسان لقمان يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف، ولم ينقل أثر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه تتبع أحدا أخلاقيا أو دينيا وعاقبه ليكون فعله شارحا لمعنى آيات الأمر بالمعروف، بل حينما رأى من غش في الطعام وجهه بلا قبض وبلا عنف، وحينما أساء له أحدهم في الطواف ــ والإساءة للنبي أكبر معصية ــ لم يأمر بالقبض عليه، وحينما اتهمه أحدهم بسوء توزيع الغنائم لم يتعرض له أمنيا فكيف بما هو دون هذه الحوادث، فكل هذه الحوادث والنصوص تبين أن النبي لم يكن يمارس أي سلطة دينية مع أن المعاصي تحدث أمامه وهذا لا يمنع من إيقاع العقوبة على العاصي الذي يضر الآخرين بمعصيته كشارب الخمر أو الغشاش أو غيرهم كأي نظام عقوبات في العالم. ربما كان الأمر سيسير على هذا الوضوح وعدم التشويه لولا أن السنة بفهم أحاديثها المختل والخاطئ دخلت على الخط وشوهت المعنى، وعلى رأس هذه الأحاديث حديث من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فقد قالوا إن تغيير المنكر باليد من اختصاص الحاكم، ثم بدأ التحول إلى أن يكون سلطة، مع أن النص قد أتى لردع الظلمة والمستبدين ومقاومتهم كما تشرح مناسبته ذلك فقد أورده أبي سعيد الخدري حينما اعترض أحدهم على مروان بن الحكم في تغيير وقت خطبة العيد مشيدا بفعل المعترض مما يدل على أنه ضد الحاكم وليس له، وأخذا من الحديث الآخر الذي يشرحه وهو سيكون عليكم خلفاء تعرفون منهم وتنكرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك مثقال خردل من إيمان، فواضح تشابه الصيغ في الحديثين مما يدل على أن المعنى واحد، ومثله حديث لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم أو ليضربن الله قلوب بعضكم بعضا ثم يلعنكم كما لعنهم فهذا النص بين أن الأخذ على يد الظالم هو معنى الأمر بالمعروف وهو أيضا شرح لحديث السفينة المشهور مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا فمن في أسفل السفينة هم الظلمة وليس أصحاب المخالفات البسيطة، ولعله اتضح الآن من خلال تلك النصوص النبوية معنى الأمر بالمعروف إذا جاء في السنة. إن مقاومة الظلم والاستبداد من أبرز ما عرف به الأنبياء والمصلحون، وكون النص يفسر وفق ما عرف عن الأنبياء والمرسلين خاصة إذا كان قيمة أولى من أن يفسر بفعل لم يقوموا به خاصة إذا كان يقزّم النص نفسه، فأيهما أوجه وأعظم للنص أن نجعل معناه ما يقوم به ثوار سوريا ضد بشار كمثال أم نجعله لسلطة تغلق معابد الآخرين أو تسوقهم سوقا إلى المساجد أو سلطة تتبع ملابس الناس في الشوارع؟ لقد اعترى الأمر بالمعروف ما يعتري الجهاد في زمننا تماما فقد انتقل من كونه جهادا ضد الأديان الباطلة التي تستغل البشر وتقهرهم، أو جهادا لنشر الخير على مستوى الدول والأمم أو للدفاع عن النفس إلى أن يكون اغتيالات في الشارع يمارسها أشخاص ضد مفكرين متأولين أو تفجيرات مساجد وهذا ما حصل لشعيرة الأمر بالمعروف تماما فأصبح مجالها الشارع ولا بد من تنقيحها وإعادة الاعتبار لهما بتوضيح معناهما الحقيق فهذا أكبر دعم لها. رابط الخبر بصحيفة الوئام: الأمر بالمعروف والتسلط الديني