كانت خيبة أمل كبيرة أن يعلن مجلس النواب الليبي في ٢٠ أكتوبر الجاري رفضه للمقترح الأممي بتشكيل حكومة وفاق ليبية وطنية، تخرج ليبيا والناس والإقليم من هذه المحنة. حيثيات هذا الرفض ليست مطروحة للنقاش لتعددها وتعذر حصرها، لكن ما يجب الإشارة إليه هو درجة الدهشة لدى عدد من المراقبين غير الليبيين أن يأتي الرفض هذه المرة من مجلس النواب والحكومة المؤقتة التي بقيت خيط أو شعرة معاوية بين المجتمع الدولي وبين الليبيين على تعدد مشاربهم واختلاف توجهاتهم السياسية، وعلى خلفية ما تم كثُر الحديث مؤخرا عن انقسامات ربما من النوع الحاد بين النواب أنفسهم، وبين الجسم السياسي العام في مجلس نواب طبرق، وبين الجناح العسكري الذي يشكل الجيش الليبي الذي بدأ يحظى بدرجة مقبولة من التواصل عربيا، ودولياً. من جهة ثانية، تخفّى كما يعتقد البعض المؤتمر الوطني الليبي العام وهو الممسك بزمام الأمور وبالسلطة والثروة في العاصمة والمنطقة الغربية، أقول: تخفى خلف هذا الرفض لمجلس النواب، بمعنى أن مجلس النواب بمسارعته إلى رفض حكومة الوفاق وفر على المؤتمر أن يكون هو الطرف الذي اختار الرفض دائما للحلول والمقترحات الممكنة لتشكيل الحكومة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الأرض الليبية. ما لفت عدد من المراقبين في التطورات الليبية الأخيرة موجة المظاهرات التي عمت عدداً من المدن الليبية وكان اغلبها يرفع شعارا شبه متفق عليه هنا وهناك، وهو رفض حكومة الوفاق، أو ما اسماها البعض بحكومة ليون المفروضة، وحكومة الوصاية الدولية كما وصفها البعض. مع الإدراك انه لا يمكن إجبار أهل ليبيا على حلول لا يجدون فيها حلاً لمشاكلهم التي تراكمت عبر أربع سنوات من الصراع، وما يقرب من عام من الحوارات والمشاورات، إلا أن البديل للأسف غير متوفر ليبياً، وهذا هو بيت القصيد الذي غاب عن أذهان البعض، من الليبيين أنفسهم. بعد إعلان رفض مقترح حكومة الوفاق من قبل الحكومة المؤقتة والشرعية في البلاد الليبية، يجب ملاحظة عنصرين مهمين، وربما يتوقف عليهما كثير من مفاصل العملية السياسية المستقبلية في ليبيا من حيث أبعادها الصراعية، وأعني بهما، أن مجلس النواب الليبي والمعروف بمجلس نواب طبرق، انتهت ولايته الرسمية في العشرين من شهر أكتوبر ٢٠١٥م، وعلى الرغم من أن هناك إعلانا سابقا على هذا التاريخ يفيد بأن المجلس مدد السلطة لنفسه ستة أشهر أخرى، إلا أن هذا الإعلان عمليا يضع مجلس النواب في ذات الخانة التي يدور فيها المؤتمر الوطني، والذي يوصف دوماً بأن ولايته منتهية، بعبارة أخرى ان الأجسام السياسية التي تتنازع السلطة وتحاول احتكارها في ليبيا منتهية الصلاحية والشرعية. الأمر الذي يجعل البلاد في فراغ سياسي نظريا بعد أن أصبح الغياب السياسي من ناحية عملية متحقق تماما. وأصبحت الخطوط العامة لمرحلة ما بعد المقترح الأممي على الأرض الليبية هي بشكل عام. أولا: استمرار غياب الدولة والسلطة وأدواتها، ثانيا: استمرار المعاناة الإنسانية الضاغطة التي يواجهها الناس في عامة التراب الليبي، ثالثاً: تعاظم نفوذ وسيطرة القوى المسلحة المناطقية والجهوية، والوافدة من خارج الحدود، واستمرار إهدار الثروة الوطنية وتبذير المال العام. الأمم المتحدة، وعبر تصريحات السيد برناردينو ليون مبعوث الأمين العام ورئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا وفي أول تصريح له عقب الرفض الليبي لتلك الحكومة المقترحة، فاجأ الجميع بأن المجموعة الأممية الراعية لحوار الليبيين مصرة على أمر جوهري في المسألة برمتها، وهو استمرار الحوار. ودعا الليبيين على اختلاف مواقفهم للعودة للحوار كطريق وحيد للخروج من هذه الأزمة. موقف السيد ليون فيه كثير من الواقعية، وكثير من تقبل الحقائق المرة والتعايش معها، وكما يعرف السيد ليون وغيره أن الحوار من اجل الحوار لن يفيد شيئا ولن يصل بأحد إلى نتيجة ويجب أن يكون للحوار ثمار يتلمسها الناس في واقع حياتهم، ويجب أن يكون هناك أهل للحوار يستثمرونه في تجنيب البلاد والعباد الولوج إلى المجهول.