المنزل وتدبير أموره، مسؤولية كبيرة تتوزع على الزوجين، وتعتمد بقدر كبير على الاحترام المتبادل بينهما، وتقدير كل منهما لظروف الآخر. وعلى مر أجيال، كان رجل البيت هو من رسخته شخصية سي السيد التي رسمها الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة. كان ذلك الشخص الآمر الناهي الذي يتخذ القرارات من دون اعتبار لآخرين، وفقاً لما ورثه من أساليب خاطئة في التربية، كما لا يساعد في الأعباء المنزلية ولا علاقة له بتربية الأبناء، خلافاً لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف في التعامل مع الزوجة، وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في التعامل مع أهل بيته. اليوم، اختلف فهم مصطلح رب المنزل فأصبح السند والعون الحقيقي لزوجته على تحقيق طموحها وكيانها، والمؤمن بأن حكمته لن تكتمل إلا بوجود شريكة عمره في قراراته، ولا يمانع المشاركة في بعض أعمال المنزل لتخفيف الضغط عليها. عن المعنى الحقيقي لمصطلح رجل البيت وكيف يراه المجتمع، كان هذا التحقيق.. وتعتبر ميرام السيد، ربة بيت، والدها مثالاً لرجل البيت الذي يعطي لكل فرد في البيت حقوقه ويعرف واجباته، تقول: على الرغم من أن والدي ضابط في الشرطة، ومعظمهم يتميزون بالصرامة، إلا أنه كان يفصل تماماً بين عمله وبيته، ويغمر زوجته وأبناءه بالحب والحنان ويلبي جميع احتياجاتهم، ويصطحبنا للتنزه وقضاء أوقات ملأى بالمرح والسعادة، وأكثر وقت شعرت فيه بأنه رجل البيت حين وقف إلى جانب والدتي رحمها الله، أثناء مرضها لآخر لحظة، ولم يتأخر أو يقصر في حقها. ورجل البيت من وجهة نظر ميرام، هو من يعين زوجته على تحقيق طموحها ويكون عوناً لها ويشاركها اهتماماتها مهما كانت بسيطة أو ليس لها أهمية من وجهة نظره. تضيف: إذ اتبع كل رجل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في التعامل مع زوجته وأهل بيته واقتدى برسول الله سيكون أفضل وأعظم رجل بيت، كما أن الرجل الذي يأخذ رأي المرأة في أي شيء ليس ساذجاً أو ضعيف الشخصية، إنما مؤمن أن حكمته لا تكتمل إلا بوجود زوجته وشريكة العمر، وأرى من يتصرف بمثل هذه المعاملات إنساناً راقياً في تفكيره وأخلاقه. وتؤكد أن زوجها ساعدها كثيراً أثناء دراستها وكان يأخذ أبناءهما للمتنزهات ليوفر لها وقتاً للمذاكرة أثناء الامتحانات، ولم يكن لديه مانع للمشاركة في أعمال المنزل لتخفيف الضغط عليها، وتضيف: لم يعتبر ذلك تقليلاً من شأنه أو يتنافى مع مواصفات رجل البيت، وإنما يعتبر أن الحياة مشاركة بين الطرفين ولا مانع من مساعدة كل طرف للآخر من أجل حياة مستقرة. يقول أحمد الجروان، موظف: مفهوم (سي السيد) لم يعد متعارفاً عليه في وقتنا الحالي، فالزوج الذي يعطي الأوامر ويتخذ القرارات بمفرده دون اعتبار لوجود الزوجة لم يعد موجوداً الآن إلا نادراً، وعلى العكس، أصبح المتعارف عليه حالياً أن الزوجة تتخذ القرارات في كثير من الأمور وتتأثر كثيراً بآراء أقاربها وصديقاتها. ويضيف: ما زال لرجل البيت دور أساسي لا يختلف عليه أحد فهو المسؤول عن توفير سبل الراحة لبيته وأسرته وتقديم يد العون في المواقف الطارئة، ولا مانع أن يشارك الزوج زوجته في تربية الأبناء وغرس القيم السليمة بداخلهم مثل تعليمهم كيفية الصلاة والصيام واحترام الكبير والعطف على الصغير أو مساعدتهم في الدراسة، لأن من المتعارف عليه أن الأبناء يخافون أباهم بشكل أكبر من والدتهم، ومصدر القوة والحزم بالنسبة لهم، والأم هي مصدر العطف والحنان، ويجب على الزوج والزوجة التفاهم فيما بينهم وتقسيم المسؤوليات بينهم، ومن يعتقدون أن الضرب والعنف يعززان من رجولتهم فأعتبر ذلك جهلاً ونقصاً في الشخصية ولا يزيد الأمر إلا تعقيداً وسوءاً، وهناك تصرفات خاطئة يتبعها الزوج ليثبت أنه رجل البيت مثل أن تكون كلمته عكس كلمة زوجته كنوع من العناد، ويتأثر بأفكار الأصدقاء السلبية. ويرى عبد الرحمن الجروان أن الرجل هو المسؤول عن البيت فهو السند والعون، ويحمل العديد من المسؤوليات في إدارة البيت بشكل كامل من ناحية الأمور المادية. ويقول: التفاهم شيء أساسي بين الزوج والزوجة سواء في اتخاذ القرارات الكبيرة أو الصغيرة وهذا يؤثر بشكل إيجابي في الأبناء ويصب في مصلحتهم، ويجب على الزوج أن يكون على وعي بكيفية التعامل الراقي مع أهل بيته ليس مع زوجته وأبنائه فقط إنما مع الخدم أيضا ومن يعملون لديه، وأن يكون قريباً من عائلته يستمع لمشاكل أبنائه وما يدور بداخلهم ولا يترك مسؤولية تربيتهم الكاملة على الزوجة، بل يجب عليه أن يشجعها ويقدّر تعبها إذا كانت امرأة عاملة لأن بعملها ودراستها تخدم الوطن، وإذا كانت في مستوى أعلى منه فيعتبر ذلك حافزاً له لكي يتقدم في منصبه ويبذل المزيد من الجهد للوصول لمكانة أعلى. تؤكد جميلة الشامسي أن رجل البيت هو من يقدّر ظروف زوجته سواء كانت عاملة أو ربة بيت، فالزواج قائم على الاحترام المتبادل. تقول: الرجل الحق هو من لا يوجه الانتقادات لها بشكل دائم، وقبل إصدار حكم عليها يجب أن يدرس الجوانب المختلفة للمشكلة، ولا يتأثر بآراء أصدقائه السلبية، كما أنه يجب أن يتحلى بالكرم المادي والمعنوي، ولا يبخل على أهل بيته في مشاعره، وأن يشارك زوجته في اتخاذ القرارات المختلفة حتى لا تشعر بالقهر والإحباط، وأن يُشعر أبناءه بوجوده جانبهم وألا يُعتبر محطة عابرة في حياتهم. وتضيف: إذا كانت الزوجة تعمل يجب أن يترك لها حرية التصرف فيما تتقاضاه من راتب، ولا يجبرها على المساعدة في المعيشة إلا بإرادتها وما تراه مناسباً، ورجل البيت هو الذي يعطي لزوجته مساحة من الحرية، ويعطي لها الفرصة للترفيه عن نفسها مع صديقتها وتحديد وقت خاص لها بعيد عن ضغوط العمل ومسؤولية الأبناء، حتى تكسر الروتين وتستطيع مواصلة حياتها ومسؤولياتها من دون ملل أو شكوى. وتعتبر أميرة مبارك نظرة المجتمع لها تأثير كبير، وتوضح قائلة: تؤثر التربية والعادات والتقاليد في مفهوم رجل البيت وهناك مفاهيم خاطئة أن رجل البيت لا يساعد زوجته في الأعباء المنزلية ولا علاقة له بتربية الأبناء وهو الآمر الناهي في البيت، وكل هذا يكون سبباً في وجود فجوة كبيرة بين الطرفين ويؤدي للعديد من المشاكل وربما الانفصال، فالزوجة هي من تقضي في المنزل فترات أطول من الرجل، وتعرف متطلباته واحتياجات الأبناء، كما يجب أن يتعامل الزوج والزوجة كصديقين يتبادلان الآراء، في نقاش مثمر وهادئ. وترى مبارك، أن الزوج هو المسؤول عن السعادة والطاقة الإيجابية في البيت، فالزوج الغاضب يعكس غضبه على الزوجة، التي تعكس غضبها على الأبناء، ما يؤدي إلى تلك التشوهات الأسرية وتفكيكها. وتضيف: من أهم مميزات رجل البيت هو تعبيره عن مشاعره واهتمامه بزوجته وأولوياتها، والدراسات العلمية أكدت أن أكثر حالات الطلاق تحدث بسبب عدم التواصل بين الطرفين، وينأى كل طرف بما يحمله داخل صدره، ولا يعبر عنه للطرف الآخر. وأعتقد أنه يجب إعطاء مساحة للحرية للزوجة واتخاذ مشورتها، والتخلي عن المفاهيم الخاطئة بأن رأيها ليس مهماً أو مهمشاً، أو أنها لا تستطيع إدارة البيت المنزل مالياً، أو أن تربية البنات مسؤولية الزوجة وتربية الأولاد مسؤولية الزوج، وأعتقد أن معظم تلك المفاهيم خاطئة ويجب تغييرها، كما أن برّ الزوج لأهله وأهل زوجته يصلح كثيراً من الأمور. المشاركة والتفاهم أهم الصفات يقول عبد الله هاشم درويش، مستشار أسري وتربوي، واستشاري في تطوير الأفراد وبناء الذات: المفهوم الصحيح لرجل البيت هو رب الأسرة القائم بأعمال وشؤون المنزل وهو السند وأساس أهل بيته، وتقع عليه مسؤوليات وأعباء مادية حتى لو كانت الأسرة مكتفية مادياً، ولا يقتصر دوره على التمويل فقط، بل على توصيل شعور الأمان إلى أهل بيته، ومحاولة تقريب وجهات النظر بينه وبين زوجته، والتوصل إلى حلول لمشاكلهم واختلاف آرائهم. ويؤكد هاشم أن قمة الرجولة هي مشاركة الزوج لزوجته في اهتماماتها، فالأهمية نابعة من أهمية الشخص وليس من أهمية الشيء، مضيفاً: أوصى رسولنا الكريم كثيراً بالنساء، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) فالمشاركة تؤدي إلى التقدير والاحترام ومعرفة قدرة تحمل الطرفين.