حين يدور الحديث عن دور المثقف وواجبه تجاه أمته ووطنه، تنهال الرؤى متفاوتة حسب تفاوت أصحابها في خلفياتهم الثقافية وأنماط تفكيرهم، هناك من يرى أن دور المثقف يتجسد في أن يكون بمنزلة الموقظ للناس من غفلتهم فيكشف لهم عن الزيف والفساد المتفشي في المجتمع، وهناك من يرى أن دور المثقف يتركز في أن يكون عاملا مؤثرا في تقدم المجتمع حاميا له مدافعا عن مصالحه، كما أن هناك من يرى أن دور المثقف يتبلور بالدرجة الأولى، في أن يكون رقيبا على أصحاب المسؤوليات متصديا لكشف ما قد يبدر منهم من أباطيل وفساد. وبناء على إنجاز هذه الأدوار التي يتوقع أن يقوم بها المثقف، يكون مقياس رضا الناس عنه أو نقمتهم عليه، فيرفعونه حينا إلى أعلى عليين، ويهبطون به حينا إلى أسفل سافلين. أي أن المثقف طبقا لذلك المقياس المعياري، إما أن يكون المخلص للأمة من تخلفها، والهادي لضلالها، والقائد لأجيالها، وإما أن يكون المنافق المخادع لها، والمزيف الكاذب عليها. المثقف ــ وفقا لهذا الخطاب ــ هو أحد اثنين، إما معتزل ناء بنفسه عن التفاعل مع قضايا أمته ومجتمعه، فهو مثقف بلا رسالة لا يعنيه سوى الجري وراء مصالحه فيوظف فكره وطاقته لذلك، وإما مؤمن برسالته وواجبه في الإصلاح وإحداث التغيير، فهو أبدا منغمس في مشاكل مجتمعه وهمومه؛ لهذا فإن المثقف غالبا ما يكون محصورا بين حالين، الرضا عنه أو الغضب منه. ما يستحق التوقف عنده، هنا، هو أن هذا الخطاب الذي يتناول الحديث عن المثقف ودوره بصورة جماعية، يغفل عن التنبه لمسألة جوهرية لا يسع أحدا إغفالها، وهي أنه لم يحدد من هو ذلك المثقف الذي يشير إليه في خطابه؟ فهو يتحدث عن المثقفين على أنهم صنف واحد موحد لا اختلاف بينهم، يعتنقون كلهم ذات التوجهات والأيديولوجيات والقيم والمبادئ والأفكار، فلا اختلاف ولا تباين، ويتقاسمون جميعهم ذات الآمال والطموحات والأهداف، فلا صراع بينهم ولا نزاع، فكان أن اتجه الخطاب إلى تفصيل أدوار لهم موحدة يتوقع منهم القيام بها!! حين يدور الخطاب حول المثقفين بهذه الصيغة الموحدة، فإن ذلك يعني أن صورة المثقف ما زالت ضبابية في الأذهان، وأن التخبط في تحديد الدور المطلوب من المثقف هو نتيجة للتخبط في تحديد من يكون حامل هذا اللقب؟ ومن هم الذين نعنيهم حين نطلق عليهم صفة (مثقفين)، نطالبهم بأن يكونوا رواد الإصلاح الاجتماعي ورافعي مشاعل الوعي والتنوير؟. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة