×
محافظة المنطقة الشرقية

مجلس الوزراء يوافق على الترتيبات التنظيمية للهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة

صورة الخبر

هل المفكرون الذين يعلنون عن غروب الجنس الروائي على حق؟ هل أعمال كاتب مثل جويس وبيكيت تعتبر مثلاً اختصاراً غير معقول لكل الأدب الخيالي؟ وهل الأزمة الكبرى في عصرنا هي أيضاً الأزمة العامة للفن، حيث يتركز بشكل أساسي وكامل على التجريد من الصفات الإنسانية؟ هل وصلنا إلى طريق مسدود ووضع بلا مخرج ولم يبق إلا تحويل رواياتنا إلى أدوات مشوشة للتفكك؟ هذه الأسئلة وغيرها شغلت الكاتب الكبير أرنستو ساباتو على مدى سنوات طويلة، فالأدب بالنسبة له، كما بالنسبة لكتّاب معاصرين آخرين، ليس أداة تسلية ولا محاولة هروب، بل هو شكل لفحص الظروف الإنسانية ودراستها، فما زال موضوع ماهية الرواية في الزمن مثار جدل، وهو يرجع أساساً لسببين: حيوية هذا الجنس الأدبي، وهي حيوية تزداد عن ذي قبل، على الرغم من كل التكهنات السوداوية، وكذلك سرعة تقلبه أو عدم نقائه. لا أحد يجهل مكانة أرنستو ساباتو باعتباره كاتباً ومفكراً وفيلسوفاً، وهذا ما يعكسه إنتاجه الأدبي ونشاطه العلمي والفلسفي الكبير، لكن هذا الكاتب لم يحظ باهتمام كبير أو صغير في عالمنا العربي، وربما هذا ما دفع سلوى محمود لترجمة كتاب ساباتو الكاتب وأشباحه وقد صدرت الترجمة العربية عن المركز القومي للترجمة بمصر. ولماذا هذا الكتاب تحديداً؟ لأنه يعكس حجم الثراء الفكري والثقافي الذي يتمتع به أرنستو ساباتو، فهو مؤلف يتمتع بقدرات عالية في التعبير والوصف، وهي أدوات يعكس من خلالها عمق الرؤية وثراء اللغة التي يكتب بها فضلاً على فلسفته العميقة في تحليل التطورات ودراستها وعرضها، التي طرأت على فن الإبداع القصص. يتألف هذا الكتاب من مجموعة من المقالات التي تدور حول موضوع رئيسي واحد، هو الرواية وماهيتها، وكيف ولماذا تكتب، فهو يساعد الكتاب والقراء على فهم ماهية الكتابة والتأليف الإبداعي، ويضم الكتاب 140 مقالاً، نلاحظ من خلالها شاعرية ساباتو وأسلوبه المتميز وآراءه الشخصية حول موضوع الأدب بشكل عام، والأدب القومي والإبداع القصصي بشكل خاص، ويبرز ساباتو من خلال هذا العمل الفرق بين مجرد الكتابة العادية والتأليف الإبداعي. تعكس موضوعات الكتاب في مجملها تأملات كاتب فيلسوف وعالم واعٍ بآليات عمله، وأديب يجيد التحكم في أدواته، على الرغم من الصعوبات التي تواجهه والمشكلات والشكوك التي تعتصره، لا لكونه كاتباً فقط، بل لكونه إنساناً ينتمي إلى بيئة جغرافية ومناخية لها طابعها الخاص وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية والدينية التي تميزها، ويستعرض الكاتب في هذا العمل ثقافته الواسعة، فنراه يتحدث عن الأدب العام والخاص والفلسفة والواقع المعاصر للمجتمع، ويرى القارئ أن النص الأصلي للكاتب الأرجنتيني مطعم بألفاظ كتبت باللغة اللاتينية واليونانية والإيطالية والإنجليزية والألمانية - كما توضح المترجمة - فضلاً على وجود فقرات وعبارات كاملة باللغة الفرنسية. يعرض الكتاب فكر المؤلف عن مهنة الكتابة: لماذا؟ ولأي هدف؟ ولمن يكتب؟ وكيف يبدع؟ فالكتاب عبارة عن مجموعة من الأفكار التي تدور حول الرواية وجمهورها، ومن الكاتب وقلقه وهواجسه وعن اللغة وعوائقها، وهذه المقالات التي يتألف منها الكتاب - طبقا لأرنستو ساباتو - هي في مجملها شيء من يوميات كاتب، وتشبه إلى حد كبير الملاحظات والاعتبارات التي يدونها الكتاب في اعترافاتهم ومراسلاتهم. عندما نشر ساباتا هذا الكتاب كان قد ارتاد كوابيس العمل الخيالي، وطاردته أشباح الكتابة الإبداعية، وكانت نتيجة لتلك الخبرة، ان ظهرت بحوث ونظريات وتأملات أدبية في النص، لكاتب يغوص في أعماق المبدع، الذي يربطنا بنبض الحياة والرغبة والتأثير الجمالي. ومن بين الأفكار الرئيسية التي يكررها ساباتا مفهومه الخاص عن الرواية التي يعتبرها شكلاً من أشكال فحص الضمير الإنساني، ولذا فقد أولى الرواية عناية خاصة، باعتبار أنها طريق جديد للمعرفة، قادر على تعليم الرجل الأشياء الخاصة بالأحاسيس والعواطف والانفعالات، التي لا يمكن إدراكها عن طريق العلم أو المنطق.