أقدم متهور منفعل خرج لتوه من ديوان القاضي على الاعتداء بسلاح كان بحوزته على زوجته ووالدها داخل مبنى المحكمة بإحدى محافظات القصيم، ويبدو ان الحكم لم يكن كما يريد، ووصفته بالمتهور لان ما فعله لا يمكن تبريره حتى لو افترضنا ان حكم القاضي لم يكن دقيقاً، فالأمور لا تحل بهذه الطريقة، وإلا لما احتجنا منذ البداية إلى المحكمة والقاضي فكل يقرر ما يريد وينفذ أحكامه، وكيف لو وجه هذا المعتدي المتهور سلاحه نحو القاضي ومساعده وبقية الموظفين والمراجعين، بل كيف يسمح بالدخول للمحاكم لمن يتأبطون أسلحتهم، لاحتمال ان تنتابهم ثورة غضب تخرجهم عن انضباطهم وتفقدهم أعصابهم واتزانهم فيرتكبون حماقات غير محسوبة ضد الغير أو حتى ضد أنفسهم، شاهدت بنفسي في إحدى المحاكم القاضي يجلس للمتخاصمين دون حواجز أو حراسات وليس هناك سوى شرطي يعمل على تنفيذ مرافقة من يحوّل للشرطة أو نحو ذلك، وليس للحماية أو تفتيش المتخاصمين قبل دخولهم مبنى المحكمة، كما شاهدت في محكمة أخرى بإحدى المحافظات القاضي يحكم في مكتب أشبه بصالة انتظار للمراجعين فيمكن لكل من يرغب أو ينتظر دوره لمخاطبة القاضي أو له قضية ان يجلس ويستمع كل ما يدور أثناء تحاور المتخاصمين، وقد يعجز أحدهم عن البيان والإفصاح عن مكنون نفسه وعن حجته بسبب الجالسين خلفه وحوله في مجلس القاضي، وهذا من ابسط حقوقه ان يكون هو وخصمه أمام القاضي في مجلس شبه سرى بعيداً عن أنظار ومسامع الآخرين، فهذه خصوصية تجب المحافظة عليها وصونها من العلنية فهي قضيتهما ولا تعني الغير الا من يحدده أو يستدعيه القاضي لضرورات تطلبها فصول القضية لإثبات ما يلزم إثباته أو نفي آخر، هذا الواقع لا يشاهد ولا يحصل بكل المحاكم أو في محكمة فيها اكثر من قاض، هو أمر يعود لطريقة القاضي فبعضهم لا يرى بأساً من ذلك ويرى ان الأمر اكثر من العادي والمقبول دون مراعاة لمشاعر وأحوال وظروف المتخاصمين أمامه، وما يسببه هذا الوضع من إرباك وحرج قد يفقد صاحب الحق حقه ويلجمه عن النطق بكل ما لديه من براهين شرعية ضد خصمه، فهي حالة تشبه امرأة تقف أمام قاض يسألها عن خصوصيات نسوية فيمنعها الحياء والارتباك من قول ما لديها للقاضي (الرجل) حتى لو كان الحق لها، القاضي يستمرئ هذا الوضع في مجلسه وينسى ان الغالبية العظمى ممن يجلسون أمامه ربما تكون هذه أول تجربة لهم يواجهون بها القاضي والخصوم، فلا بد من مراعاة هذه المشاعر والمواقف الثقية لا سيما إذا كانت بحضور جمع ممن لا يعنيهم الأمر، ويقر نظام القضاء بأن من حقوق المتقاضيين المعاملة الحسنة من العاملين في الجهاز القضائي، واحترام كرامة الإنسان أيًّا كان جنسه أو لونه أو دينه، للمرأة والطفل والسجين والمريض أولوية خاصة في إجراءات التقاضي ما لم يكن أحدهم خصماً فيسوّى بينه وبين خصمه في المرافعة، لذوي الاحتياجات الخاصة حق الاستعانة بمن يعينهم على الإدلاء بحججهم، وطلب توفير ذلك من المحكمة، والتسوية بين المتقاضيين في الدخول على القاضي ومخاطبته والجلوس بين يديه.