ربما يجدر بنا الابتعاد قليلاً عن الموضوعات السياسية والاقتصادية، ويقيناً أن الأزمات التي تعيشها منطقتنا والشرق الأوسط عموماً لن تنتهي اليوم أو الغد، فمصيرها وحلولها لا يعلهما سوى الله عز وجل.. ربما يكون سبب تراجعنا عن تناول تلك الأزمات اليوم هو معضلة أخرى قد نسهم بقدر ما في حلها، وهي تتعلق بالمستقبل، وأقصد هنا أطفالنا وأحفادنا، وحتى لا أطيل عليكم أدخل مباشرة في صلب الموضوع، وهو مخاطر برامج وفضائيات الأطفال على عقولهم وكيفية تفادي تلك المخاطر وإيجاد الحلول المناسبة ليتعلم أطفالنا الحياة والعلم معاً بطريقة صحيحة وليس مجرد ما يشاهدوه في تلك البرامج. المشكلة الأساسية أننا نترك أطفالنا فريسة للتلفزيون بكل ما به من برامج سواء عدوانية أو غير تربوية أو فوضوية، ناهيك عن البرامج الأجنبية التي لا تليق بأطفالنا أن يشاهدوها؛ لأنها تبعدهم عن الدين الإسلامي، وتنمي عندهم مفهوم الشر والبقاء للأكثر عدوانية، ليكون الطفل في نهاية الأمر ذا ميول عدوانية حيال الآخرين. لا ننكر أن كثيرًا من الأبحاث العلمية تناولت مخاطر التلفزيون وبرامج الأطفال على نفسية وعقلية الطفل، وخرجت معظمها بأن رؤية الطفل للمَشاهد التي تتسم بالعنف على الشاشة تزيد من عدوانيته، وهذا لأسباب عديدة منها سهولة أن يتعلم الطفل عن طريق التقليد، ثم يعيش عالمًا غير حقيقي، مما يؤدي إلى إصابتهم بنوع من تبلّد المشاعر تجاه العنف الذي يشاهده، ثم يمارس هذا العنف ضد الآخرين.. فانجذاب الأطفال الكبير للتلفزيون يفقدهم الوعي والقدرة على الانتباه، لتصل الخطورة الى الإفراط في مشاهدة البرامج لدرجة تصل الى حد الإدمان. لماذا نقول الإدمان؟.. فمثلاً عندما يتمادى الطفل في متابعة البرامج التلفزيونية فهو عندئذ يحرم نفسه مع ممارسة الألعاب الرياضية أو حتى اللعب بألعاب يدوية وذهنية تنمي عقله وجسمه، فاللعب وظائف متعددة ومهمة للغاية لتطوير عقلية وذهنية الأطفال وتحدد طريقة تفكيرهم مستقبلاً. لهذا فإن ما يقضيه الأطفال من ساعات في مشاهدة البرامج سيحرمهم من أهم الأنشطة التي تساعدهم على التطور والنمو. فالطفل الإيجابي يتواصل مع ألعابه ورياضته المفضلة ثم يتجاوب مع الآخرين، يؤثر فيهم ويتأثر بهم وبتجاربهم، أما الذي يقضي وقته كله أمام شاشة التلفزيون، فهو يفقد ميزة التجاوب والتعلم. وتقودنا تجارب التجاوب مع الآخرين الى نقطة أهم ومضمونة النجاح وهي القراءة، فالتلفزيون يفقد المشاهدين عمومًا ميزة الاطلاع والقراءة والإبحار في عالم الخيال والمعرفة، فما بالنا الأطفال، الذين سيكبرون بلا إبداع، بل فاقدي الإبداع والتفكير؛ لأنهم اعتمدوا على الصورة التلفزيونية الثابتة والجاهزة بدون أن يشغلوا عقولهم وفكرهم في إبداع صورة مغايرة لواقعهم قد تساعدهم على التألق والابتكار والمعرفة. ومن انعدام خاصية القراءة والإبداع، نصل الى نقطة غاية في الأهمية ولعلها من عيوب تمادي الأطفال في مشاهدة برامج التلفزيون سواء الخاصة بالأطفال أو البرامج المعتادة وهنا يتشارك الكبار والصغار معاً في فقدان هذه الميزة، وهي الكلام والحديث والتواصل فيما بين أفراد الأسرة الواحدة، وبدلاً من قضاء الوقت في تناول موضوعات للتواصل الاجتماعي، يضيع الوقت في متابعة البرامج، فيتضاءل وقت الكلام، والتجاوب، والتحاور، أو حتى الشكوى بين أفراد العائلة، وهو ما يؤدي إلى تراكم المشكلات وعدم البحث عن حلول عاجلة لها. وحتى لا أطيل في سرد مشكلات برامج الأطفال، فثمة معضلة غاية في الخطورة تتعلق بعدم قدرة الأطفال في تفسير ما يقرؤونه لاحقًا، لأنهم لم يعتادوا على التفكير اللفظي المبني على الكلمة ومضمونها، وبالتالي يواجهون مشكلات كبيرة في استيضاح ما يتعلمونه في المدرسة، وربما يجدونه أمرًا شاقًا وصعبًا عليهم، قد يُولّد لدى البعض منهم التفكير في ترك الدراسة أصلاً وعدم الاعتماد على المدرسة. وننتقل إلى نقطة جوهرية أخرى تمس عقلية الطفل وتقضي على تفكيرة وإبداعه، وهي أفلام الكارتون أو الرسوم المتحركة وخصوصًا الأجنبية، فنرى معظم فضائيات الأطفال لا تتوانى في حشر ساعات الإرسال بمثل هذه الأفلام التي يتأثر بها الأطفال بشدة ويقلدون شخصياتها حتى لو خيالية بكل ما تأتيهم من أخطاء في الدين والحياة العامة والمجتمع والخير والشر والتحيز والعنصرية. فمثل هذه الفضائيات تتعامل مع الطفل كسلعة، تبث له منتجات وسلعاً تجارية خلال البرامج، فيتولد لديه النمط الاستهلاكي، فالمنتج جاءه حتى غرفته، ثم يبدأ في الحديث مع والديه عن ضرورة شراء هذه المنتجات، ثم يذهب للسوق بحثاً عنها ليشتريها، ليكون الطفل في النهاية مشروعاً تجارياً وليس تربوياً وفكرياً وعلمياً، لأن المنتجين هنا وجدوا ضالتهم المنشودة أمام برامج الأطفال، فبدأوا في تسويق السلع التي تحمل الصبغة الطفولية. ربما نكون أوضحنا جزءًا من المشكلة، ويتعيّن علينا الإشارة الى بعض الجوانب الإيجابية، فثمة بعض الفضائيات الخليجية والعربية تخصص أوقاتًا لبث برامج تخص الأطفال، ومنها بالتأكيد برامج أنتجتها بعض المؤسسات الإسلامية.. ومع احترامنا وتقديرنا لكل هذه الجهود، إلا أنه مع اهتمام هذه المؤسسات بتوعية الأطفال ونشر الثقافة والمعرفة بينهم، فإننا نلحظ أن بعض هذه البرامج تتسم بالترفيه والتسلية وشغل الفراغ، دون النظر إلى جانب تعميق المفاهيم الإسلامية في نفوس الأطفال، وهنا نصل الى لب المشكلة وهو افتقار هذه المواد الإعلامية إلى جهاز إعلامي تربوي مسلم متخصص في شؤون الأطفال.. فمثل هذه البرامج تفتقر الى الأهداف الإسلامية وأسلوب التشويق والجذب، مما يؤدي الى ذهاب المنتجين الى الشركات الأجنبية التي تنتج برامج وأفلامًا مغايرة لعقيدتنا وأخلاقنا، ناهيك عن أن معظم الإنتاج العربي يكون مرتبطًا بصورة كبيرة بالأفكار الغربية وتستوحي روحًا وفكرتها للاستفادة من شهرتها وارتباطها بعقلية الأطفال.. كذلك تفتقر البرامج العربية للأسلوب المشوّق وتخلو أيضا من الأهداف التربوية الإسلامية، الى جانب إبرازها للقيم والعادات الغربية التي تتناقض مع معتقداتنا ومفاهيمنا الإسلامية. فمعظم أحداث هذه البرامج والأفلام الكارتونية تدور حول الصراع والحرب والقتال، وأشهرها طبعًا ميكي ماوس وبوباي أو هكذا أتذكر، وأخرى بين المركبات الفضائية والعوالم الخارجية. كما تسرد معظمها أحداثًا عنيفة وأفكاراً شاذة ووثنية بعيدًا عن مفهوم الألوهية وأن الكون لله الواحد القهار، وتتمادى الأفكار الغربية في إبراز أن الكون محكوم بغير قدرة الله ومشيئته، مع التركيز على قضية وجود أعداء وهميين في هذا الكون يهددون البشر، وهذا يخالف عقيدة المسلمين، وخطورة هذا النوع من الخرافة أنه يفسد منهج التفكير عند الطفل. كما أن حبكة بعض الأفلام الكارتونية تدور حول قصص الحب والغراميات بين ذكر وأنثى من البشر أو الحيوانات أو الحشرات، الى جانب ما يحدث مع غمز ولمز بين هؤلاء العشاق، مما يعمل علي تحريك لشهوة الطفل وتحريضه على تكوين علاقات الحب والغرام مع القريبات من الإناث.. ولا يفوتنا هنا الكم الهائل من البرامج الكارتونية التي تحض على العنصرية والإيحاء مثلاً بأن الشخص الأبيض ينتصر وعلى حق وخير دائمًا، بعكس الملون الضعيف الخائن الشرير. ولعليّ أعتذر إذا كنت قد أسهبت في تعداد مخاطر برامج وفضائيات الأطفال، فهذا نابع من الغيرة على القيم الإسلامية والإنسانية والمجتمعية، ولهذا فثمّة حلول بسيطة لعدم ترك أطفالنا فريسة سهلة لمثل هذه الأعمال التلفزيونية الخطيرة علي عقول الأطفال، ومنها توجيه الطفل وإرشاده بأن عليه الانتباه لدراسته والابتعاد عن برامج الفضائيات، وبخاصة الرسوم المتحركة التي تسيطر على عقله والتي يشاهدها الأطفال بلا رقابة في الوقت التي تبثها القنوات أيضاً بلا رقابة مجتمعية وتعرض خلالها مشاهد لا أخلاقية وتحمل أحيانًا في طياتها مضامين غير مناسبة لعقل الطفل. كما يجب تفعيل دور الوالدين في تربية الطفل ومنعه من قضاء ساعات طويلة أمام شاشات التلفزيون. نحن لا نقول منع مشاهدة البرامج تمامًا ولكن أن تكون المشاهدة بحساب حتى لا يتعرّض الطفل لمشكلات صحية ونفسية وبدنية وإلغاء تام لعقله، ثم الأهم تعليم الطفل كيف يستغل وقته في القراءة لقدرتها الفائقة على تنمية ثقافته وتشجيع قدراته الابتكارية والإبداعية. كلمة أخيرة.. فرحنا جميعًا نحن شعب البحرين بتعيين من يمثلنا في جامعة الدول العربية، فقد تولى السفير خليل الذوادي منصب الأمين العام المساعد الجديد بالجامعة، ولمن لا يعرف من هو خليل الذوادي، عليه أولاً أن يعود الى بدايات عمل هذا الرجل الذي تفانى في كل منصب تولاه في بلده البحرين التي لا تغيب عن ذهنه وعقله حتى لو تباعدات المسافات بين قلبه والعاصمة المنامة لآلاف الأميال، فهو منذ تخرجه وعمله في وزارة الإعلام، حيث تزاملنا وتصادقنا، أثبت قدرات فائقة في أداء عمله والنجاح فيه، فعرفنا الرجل مذيعًا وقارئًا لنشرات الأخبار ومقدمًا للبرامج في تلفزيون البحرين، ليصعد الى أعلى المناصب حتى يصبح مديرًا له، ومنه لمنصب وكيل مساعد للثقافة والتراث الوطني، ليعود رئيسًا تنفيذيًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون.. توالت المناصب على السفير خليل الذوادي ولم يجرِ وراءها، ولكنه لم ينشغل أبدًا عن حبه لعالم الإعلام، هذا العالم الفريد الذي هيّأ الرجل ليتبوأ مهمات خطيرة في مؤسسة الدبلوماسية البحرينية التي بدأها سفيرًا للمملكة لدى مصر.. ناهيك عن تعيينه نائبًا في مجلس الشورى وتمتّعه بعضوية لجان عديدة به. هنيئاً للجامعة العربيــة عمــل الـذوادي مساعدًا للأمين العام بهـا، وهنيئــًا لنــا نحــن البحرينيين لكونه ممثلاً لنا في المنظمة العربية.