×
محافظة الرياض

ضبط 13 سيارة تابعة لدرباوية تم تغيير ملامحها

صورة الخبر

يعتبر وادي العجائب واحداً من أكبر مواقع الفن الصخري في أوروبا، ولا يزال هذا الوادي يثير العديد من التساؤلات. وأول ما يلفت النظر في هذا المكان الذي يرتفع أكثر من 2000 متر عن مستوى سطح البحر، ويقع في قلب سلسلة جبال الألب (ميركانتور) ذلك السؤال المثير للدهشة: أين هو المركب؟. ربما يعجب القارئ لهذا السؤال خصوصاً أن أقرب نقطة عن البحر في هذا المكان تقع على بعد 80 كيلومتراً إلى الجنوب، أي قبالة سواحل مدينة نيس الفرنسية. المدهش في هذا المكان الغريب أيضاً هو شكل الصخر الأرجواني المكون للجروف والانعكاسات نحاسية اللون للصخور التي تشكل المناظر الطبيعية. لكن المتجول الذي يصل إلى هنا لا يفتأ يبحث عن مكان السفينة الحربية التي شاركت في معركة ليبانتو في العام 1571، حيث يعتقد الكثيرون أنها رابضة في مكان ما في هذه السلسلة الجبلية بين الصخور، مع ساريتيها وعلامة صليب سافوا على الألواح الخشبية لجسم السفينة. الأمر المثير للغرابة أن ثمة صورة ظلية لسفينة حربية حفرت بين القرنين السادس عشر والسابع عشر في الصخر، ولكن هل هذا أمر صحيح بالفعل؟ أم ثمة خطأ ما؟ لا على الإطلاق ليس ثمة خطأ، فالرجل الذي يجيب عن هذا السؤال هو هنري دو لوملي، المؤرخ البارز لحقبة ما قبل التاريخ ومدير معهد علم الأحافير البشرية في باريس، أما بالنسبة للسفينة الحربية، فليست سوى منحوتة صخرية لموهوب مجهول، بين القرن السادس عشر والسابع عشر. والحقيقة أن خبير الحفريات دي لوملي يعرف جيداً عما يتحدث فهو يزور هذا المكان المعروف بوادي العجائب منذ أربعين عاما. ولكن العجائب التي لفتت نظر الباحث هنري دو لوملي هي أشد غموضاً من ذلك التساؤل عن السفينة، فالأمر يتعلق بهذه الطبعات التصويرية الحديثة نسبيا التي تزين الصخور حيث نجد الكثير من التعرجات، واللوالب، والرموز المستطيلة الغريبة، ونحن بحاجة بالفعل إلى خبرة عالم بالحفريات لفهم ما ترمز له هذه الطبعات. يقول هنري دو لو ملي، إن أكثر من 70٪ من النقوش في وادي العجائب تمثل قرون حيوانات وأدوات وصل أما ال 30٪ المتبقية فهي تجسيد لأشكال هندسية وأسلحة وخصوصاً الخناجر. وتعتبر هذه الخناجر بالتحديد هي التي سمحت في العام 1878 للمؤرخ الفرنسي إميل ريفيير المتخصص في حقبة ما قبل التاريخ أن يحدد تأريخاً مضبوطا للموقع. وبدا من شكل هذه الخناجر (شفرة ثلاثية مع قاعدة مستطيلة، ومقبض قصير) أنها تشبه خناجر حقيقية عثر عليها في مواقع أثرية تقع في شمال إيطاليا وجنوب شرق فرنسا، وتعود أصولها إلى العصر النحاسي أي على فترة تقع بين العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي. وإذا كان استمر الإنسان على مر القرون، بنقش السفن، ومختلف النقوش على الصخر فالكنز الحقيقي للميركانتور يكمن هنا ،فثمة واحدة من أكبر مجموعات النقوش لعصور ما قبل التاريخ في أوروبا، حيث نجد 40 ألف نقش ورمز تعود إلى 3300 و1800 قبل التاريخ، وهي موزعة على 4100 صخرة و1800 هكتار. والحقيقة أن الموقع واسع جداً إلى درجة أن إحصاء جميع الصور والطبعات والنقوش استغرق أكثر من قرن من الزمان. وأول من بدأ عملية الإحصاء هو إيميل ريفيير ثم تتابع العمل في بداية القرن العشرين مع عالم الآثار البريطاني كارونس بيكنل والنحات الإيطالي كارلو كونتي. ومنذ الستينيات وحتى اليوم يعود الفضل إلى فريق هنري دو لوملي الذي تسلم راية البحث، ففي العام 2011 أعلن هذا الفر يق انتهاءه من أول مجموعة من عمليات المسح الأثري وشرع في حملة جديدة تركزت على النقوش الأكثر غموضاً، التي لم يتم التعرف إليها في الحملة الأولى. ولكن في النهاية ما الذي ترويه هذه الأشكال الحلزونية والمستطيلة وتلك الرموز الممثلة للحيوانيات والخناجر؟ وما الهدف الذي نقشت لأجله؟ ولماذا نقشت هنا على ارتفاع 2000 متر وفي هذا الوادي الوعر؟ الواقع أن الباحثين يحاولون الإجابة عن هذه الأسئلة الصعبة. فتجوال هؤلاء في مواقع الفنون الحجرية المعروفة مثل موقع فال كامونيكا في منطقة لوماردي الإيطالية مكنهم من أن يفترضوا أن الدوافع التي جعلت إنسان العصر النحاسي يتردد على هذه المنطقة القاسية والوعرة كانت على ما يبدو دينية. فكانوا يطلبون من الآلهة في هذه المنطقة العالية أن تسقط عليهم المطر لتلقيح الأرض حسبما يقول دو لوملي. ويبدو أن هذه الفرضية تميل بعض الشيء إلى المنطق فقمة جبل BEGO، وهي النقطة الطبيعية الأعلى للوادي والتي تبلغ نحو 3000 م، تشتهر بعواصفها الرعدية العنيفة. ولكن وفقاً لتفسير آخر، كانت الشمس على ما يبدو هي الشغل الشاغل لإنسان ذلك الزمان إذ إن الموقع برمته كان بمثابة المرصد الشمسي ويظهر ذلك من خلال بعض الصخور المنقوشة على جبل BEGO والموجهة نحو الشمس الغاربة إشارة إلى مرور الوقت ،كما يعتقد جيروم ماجيل مدير متحف علم إنسان ما قبل التاريخ في موناكو والذي يعتبر واحداً من أقوى المؤيدين لهذه الأطروحة خصوصاً أن اثنتين من الصخور المنقوشة كانت تستخدم كساعات شمسية موسمية. ويشير جيروم ماجيل إلى أن هذه المنحوتات الصخرية ربما تكون من أول أشكال الكتابة التي عرفت في التاريخ، ولكن لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات لفك ألغاز رموزها. ويضيف أن التساؤلات لا تتعلق فقط بوظيفة هذا المكان ولكن أيضا بطبيعة هذه النقوش، إذ لا يوجد شك اليوم أن بعض الأشكال هي أكثر بكثير من مجرد صور توضيحية إنها إيديوجرام أي وحدات كتابية أو صور رمزية، وعلامات مرسومة تمثل كلمة أو فكرة، كما هي الحال بالنسبة للغات اليابانية والصينية. هذا التفسير يعود للجيولوجي البريطاني ماثيو موغريدج الذي طرحه في العام 1868، بعد مقارنته لنقوش ميركانتور مع الرموز المصرية (الهيروغليفية)، خصوصا ذلك النمط المتعرج الغريب الذي يظهر على مقابر الفراعنة، يرمز إلى المياه ولذا تعتبر نقوش ورموز وادي العجائب، حسب راي موغريدج واحدة من أوائل أشكال الكتابة التي عرفت في التاريخ كاللغة الهيروغليفية المصرية القديمة والكتابات المسمارية في بلاد ما بين النهرين والتي تعتبر معاصرة لها. ويؤكد هنري دو لوملي إنها لغة مسجلة على الحجر، وهي تمثل نصا ينبغي علينا معرفة قراءته، أما فيما يتعلق بالقدرة على فك رموز هذه الكتابة فلا يزال ينتظر الباحثين الكثير من العمل، فوادي العجائب لم يكشف بعد عن جميع أسراره. 40 ألف زائر سنوياً على الرغم من الوجه القاسي لوادي العجائب، فإنه يجذب أكثر من 40 ألف زائر سنوياً غالبيتهم يأتون لمشاهدة الصخور المنقوشة. ولكن لا داعي للقول إنه ينبغي على المرء أن يأخذ حذره في هذا المتحف المفتوح. والقسمان الأساسيان من النقوش ممنوعة على المتجولين الذين لا يصحبهم مرشد خبير في المنطقة ، اللهم إلا بعض الممرات الثانوية التي تركت حرة للجمهور. ولا شك أنه يمنع منعاً باتاً الإقامة في العراء أو لمس النقوش باليد أو الأرجل أو استخدام العصي ذات الأطراف المعدنية أثناء المشي. أما الذين يمتعضون من هذه الضوابط، فيبقى متحف العجائب لمقاطعة توندي هو المكان الأفضل الذي تُعرض فيه النماذج الأجمل للصخور المنقوشة في الموقع ،مع العلم بأن المتحف التقليدي ليس بالأمر الكبير جدا للغوص في غرائب هذا المكان المدهش.