×
محافظة المدينة المنورة

65 % من أراضي المدينة صالحة للبناء

صورة الخبر

هناك أفلام تواجه مخاضاً عسيراً قبل ولادتها، فعندما يكون النص والطاقم الفني جاهزين تظهر مشكلة في اختيار الممثل الرئيس (بطل الفيلم). سلسلة أفلام Die Hard عانت هذه المشكلة قبل انطلاق جزئها الأول عام 1988 حين عرض النص آنذاك على نجوم مثل سلفستر ستالون وآرنولد شوارتزينيجر وهاريسون فورد وريتشارد جير، إلا أنهم جميعاً رفضوه. عندما استقر الخيار على الممثل بروس ويليس للعب دور الضابط المشاكس العنيد جون ماكلين، كان الممثل وقتها غير معروف سينمائياً ومشهور تلفزيونياً فقط من خلال مسلسل Moonlighting، واشترطت شركة 20 شنشري فوكس ألا يستخدم وجه الممثل في الحملة التسويقية للفيلم. القصة عن مجموعة إرهابيين من خلفية سياسية تعكس فكر معسكر الكتلة الشرقية الشيوعي المعادي للرأسمالية تحتل برج ناكاتومي في لوس أنجليس في ليلة الكريسماس وتحتجز موظفيه رهائن للاستيلاء على أموال في خزانته المحصنة. بنظرة متفحصة للفيلم نجد أن Die Hard يرتكز على معادلة واحدة ذات طرفين في كل أجزائه، الأول: الشخصية الشريرة، وخصوصاً الشقيقين غروبر في الجزءين الأول والثالث. والثاني: نوعية الهجوم واتساع نطاقه في كل جزء، دونهما يفقد الفيلم سبب وجوده. بالمقابل فإن بطل القصة الضابط جون ماكلين هو أساساً شخصية ثانوية تنقلها أدوات القصة أو ما يسمى في اللغة السينمائية Plot Device تدريجياً لتصبح مركزية، والفيلم لا يفقد قيمته بغياب ماكلين. نص الجزء الأول الجميل الذي كتبه ستيفن دي سوزا ونفذه ببراعة المخرج جون مكتيرنان يصور لنا العلاقة المتوترة بين ماكلين وزوجته هولي بسبب اهتمامها بمستقبلها الوظيفي عندما انتقلت من مسقط رأسيهما نيويورك لتعمل في لوس أنجليس. هذا الخلاف نراه من خلال عدة مظاهر: الجدل المستمر بينهما، تغيير اسمها الوظيفي ليصبح اسمها الأصلي بدل اسم زوجها. الكاتب يمزج الخلاف الداخلي لماكلين مع الخلاف الخارجي بينه وبين الإرهابيين، ولحل الداخلي يتوجب عليه إنهاء الخلاف الخارجي أولًا. فنرى ماكلين لا يكتشف حبه لزوجته إلا عند سقوطها بيد الإرهابيين. أهم شخصية في الفيلم كله هي هانز غروبر (إلين ريكمان) زعيم العصابة الأنيق. ونكتشف ذلك من خلال أسلوب المخرج جون مكتيرنان في إبرازه لقطة خروج العصابة من صندوق الشاحنة، فنرى الكاميرا تركز على منتصف المجموعة تماماً، حيث يتحرك رجلان من مقدمة العصابة إلى اليمين واليسار ويظهر من خلفهما هانز غروبر متقدماً من الخلفية فالمركز فرأس المجموعة ليقود الهجوم. مهارات يبين لنا الفيلم أن الضابط ماكلين ليس بطلاً خارقاً أو مفتول العضلات، هو بارع في إطلاق الرصاص فقط، ولا حتى يتمتع بأي مهارات قتال يدوية، وهو ما أضفى بعداً إنسانياً وقبولاً للشخصية لدى الجمهور. سر النجاح الكبير للجزء الأول كان في المطاردة المثيرة بين ماكلين والعصابة في مساحة ضيقة هي برج ناكاتومي، وعندما جاء الجزء الثاني عام 1990 قلت الإثارة نوعاً ما بسبب اتساع محيط القصة ليصبح مطار دالاس الدولي (واشنطن العاصمة) حيث سيطرت عصابة من الجنود الأميركيين المرتزقة على النظام الإلكتروني للمطار متسببة في تحطم الطائرات على المدرج. مطالب العصابة تمثلت في إجبار واشنطن على تسليم الجنرال رامون إسبرانزا زعيم عصابة مخدرات ودكتاتور لإحدى دول أميركا الوسطى (في إسقاط واضح على مانويل نورييغا حاكم بنما السابق). رعب الفيلم أخرجه القادم الجديد إلى هوليوود آنذاك الفنلندي ريني هارلن الذي ابتكر مجموعة لقطات جميلة، كان أبرزها لقطة مرعبة لانفجار طائرة وأخرى رفع الكاميرا فيها لمئات الأقدام لتصور مشهد إطلاق ماكلين نفسه من كرسي طائرة ليلامس أنفه عدسة الكاميرا، قبل أن يهبط بمظلة المقعد. هنا هارلن أثبت قدرته على ابتكار أساليب جديدة لعرض أفلام الحركة. تسبب الجزء الثالث من السلسلة وهو بعنوان Die Hard with a Vengeance عام 1995 في إحداث زوبعة إعلامية لأنه أتى بعد شهر بالضبط من تفجير أوكلاهوما سيتي الذي نفذه مجندا الجيش الأميركي تيموثي مكفيه وتيري نيكولز، خصوصاً أن الفيلم يدور حول تفخيخ مدينة نيويورك بمتفجرات من قبل عصابة سايمون غروبر (شقيق هانز غروبر في الجزء الأول ويؤدي دوره جيريمي آيرنز). وفي خطوة حكيمة اشترط بروس ويليس قبل المؤتمر الصحافي للفيلم عدم توجيه أي سؤال له حول التفجير لئلا يتهم باستغلال الحدث في ترويج الفيلم. مقدمة وفي خطوة موفقة جداً، عاد جون مكتيرنان مخرج الجزء الأول لإدارة هذا الجزء الذي تميز بمشهد افتتاحي كلاسيكي في الدقيقة الأولى دخل التاريخ كواحد من أفضل المقدمات لفيلم وهو انفجار عنيف حقيقي في متجر وسط نيويورك تناثرت بسببه السيارات، وتم تنفيذه بواسطة خبراء متفجرات ورصده مكتيرنان من عدة زوايا، ما أضفى واقعية افتقدتها أفلام اليوم المعتمدة على الكمبيوتر في صنع مشاهد الانفجارات. مر 12 عاماً حتى طرح الجزء الرابع من السلسلة عام 2007 بعنوان Live Free or Die Hard تحت إدارة لين وايزمان عن قرصان كمبيوتر يسيطر على ملفات حكومية وماكلين يحاول إيقافه. تحفظ بروس ويليس على مشاهد التفجيرات التي نفذت بالكمبيوتر وبدت أقل واقعية، كما ظهر الفيلم مناف للمنطق كأنه لعبة فيديو وماكلين أقرب لبطل خارق منه إلى رجل الشارع العادي كما عهده جمهور السلسلة. الكاتب جوناثان هينسلي زج بشخصية إضافيةSidekick للضابط ماكلين وهو زوس (ساميول جاكسون). وكتب حوارات الفيلم بأسلوب يبرز العنصرية بين البيض والسود في قالب كوميدي معاصر جعلت منه فيلما مقبولا حتى هذه الأيام. مخيب للآمال كان الجزء الرابع بشخصية شريرة غير مميزة (تيموثي أوليفانت) الذي لم يقترب من مستوى ريكمان وآيرنز في الجزءين الأول والثالث. وفي عام 2013، طرح أسوأ فيلم في السلسلة وهو A Good Day to Die Hard، الذي أخرجه جون مور وتم فيه تهميش ماكلين لصالح شخصية ابنه (للعلم أن الأجزاء السابقة أظهرت لنا أن له بنات فقط). أدى دور الابن (جاي كورتني) وكان فيلماً مخيباً لآمال عشاق Die Hard وأخل بالمعادلة التي تستند إليها السلسلة خللاً عظيماً قد لا تقوم بعده. رؤية فنية وفي ما يخص رؤية المخرج الفنية والتي هي سبب رسوخ كثير من الأفلام في أذهاننا فلولاها لكان العمل منسياً. فإن رؤية المخرج هي قدرته على تنفيذ النص السينمائي وتحويله من ورق إلى قصة تروى على الشاشة الكبيرة، وهذه أصعب عملية في صناعة السينما، ونجاح فيلم ما يعتمد عليها، إذ إنها عملية بحاجة إلى تكامل بقية العناصر (أداء وموسيقى وتصوير ومونتاج). واعتمد مخرج أفلام الحركة والإثارة جون مكتيرنان في جزئي داي هارد الأول والثالث كونهما الأنجح والأكثر قبولاً بين عشاق السلسلة رؤية فنية واحدة تتعلق بمحاور عدة، منها وضوح أهداف الشخصيات وتكافؤ قطبي الفيلم الضابط المشاكس جون ماكلين والشقيقين هانز وسايمون غروبر في الجزءين الأول والثالث، وتكامل رؤية المخرج مع النص السينمائي. شخصيات وأهداف داي هارد الأول يحدث في السياق السياسي السائد في حقبة ثمانينات القرن الماضي، وهو صراع المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، فنجد في الصورة العامة عصابة أوروبيين شرقيين تستولي على محتويات خزانة برج ناكاتومي. وفي التفاصيل نرى أولاً زعيم العصابة هانز غروبر يحتجز موظفي البرج رهائن في حفل الكريسماس، وثانياً الضابط جون ماكلين يفاجأ بالحادث ويقرر المواجهة، وثالثاً كارل وهو عضو في العصابة يتمرد على هانز بسبب مقتل شقيق الأول على يد ماكلين ولا يطيع أوامره إلا إذا توافقت مع هدف كارل وهو الانتقام من ماكلين، رابعاً هولي زوجة ماكلين تطلب من هانز أن يرأف بزميلتها الحامل، خامساً: هانز يقرر مطاردة ماكلين شخصياً بسبب استيلاء الأخير على الصواعق المتفجرة من أحد رجال هانز بعد قتله، سادساً: مراسل الأخبار يبث الخبر من منزل ماكلين ما يعرض حياة زوجته للخطر، سابعاً صراع الشرطة المحلية مع الإف بي آي حول صلاحيات التدخل في أزمة البرج. كل هذه الصراعات الموزعة على كل شخصيات الفيلم ووجود هدف محدد لكل شخصية جعلت منه مادة سينمائية قوية وشيقة. أسلوب تلميحي في داي هارد الأول اليد العليا للضابط ماكلين، ونفهم ذلك من أسلوب جون مكتيرنان التلميحي في الإخراج، حيث وضع شخصية ماكلين في الطوابق العليا، بينما العصابة تحته طوال الفيلم ونرى مجموعة مشاهد لماكلين يراقب أفراد العصابة من حيث لا يعلمون. هانز مثقف جداً ولغته أكاديمية راقية ويقرأ مجلات تايم وفوربز بينما ماكلين رجل الشارع العادي ويستخدم ألفاظاً نابية، وهذا التناقض بين الشخصيتين مقصود لتقريب ماكلين من المشاهد الذي يستثقل شخصية هانز المتعالية. من الناحية العملية نجد أن هانز يتمتع بذكاء حاد، لكن ما يعطل خطته هو ماكلين الذي يتصرف بعفوية كاملة فنراه يفسد مراحل معينة من الخطة لكن هانز أذكى ودائماً ما يستنبط حلولاً للالتفاف على ماكلين. أحادية القطب طرح الجزء الثالث من داي هارد في سياق سياسي مغاير تميز بأحادية القطب، حيث إن الولايات المتحدة الأميركية كانت القوة العظمى الوحيدة في العالم، ما أثر في حسابات منتجي الفيلم الذين لم يجدوا عدواً واضحاً في منتصف التسعينات فقرروا اتخاذ بقايا ضباط شيوعيين عدواً لماكلين يترأسهم سايمن غروبر شقيق هانز. في الصورة العامة نجد هدف سايمن سرقة سبائك ذهبية من بنك نيويورك الاحتياطي الفيدرالي ليعيد توزيع الثروة التي تآمر الغرب على سرقتها من العالم. وفي التفاصيل نرى أولاً ماكلين ورفيقه زوس يحاولان إيقاف سايمن عن طريق حل الألغاز التي يضعها لهم، ثانياً فرق الشرطة تهرع لإيجاد قنابل مزروعة في مدارس نيويورك، ثالثاً ماكلين وزوس يفترقان مرتين لينجز كل واحد منهما هدفاً خاصاً به: الأولى في محطة المترو قبل انفجارها، والثانية عندما دخل ماكلين في النفق وكلف زوس بالذهاب إلى الملعب ليتأكد من وجود قنبلة. غموض الفيلم يتسم بطابع غامض لدرجة أن المشاهد لا يرى سايمن غروبر إلا بعد مرور ساعة كاملة منه. برع المخرج جون ماكلين في ترجمة الغموض إلى لغة بصرية سينمائية ويظهر ذلك جلياً في المشهد الثاني من الفيلم عندما يتصل سايمن بالمفتش كوب ليملي مطالبه. مكتيرنان استخدم لقطة Extreme Close Up من خلف رأس المفتش على شكل نصف دائرة تنتهي عند سماعة الهاتف الملتصقة بأذنه ولا يظهر من اللقطة سوى نصف وجه المفتش كوب. خيار مكتيرنان جاء موفقاً في صنع اللقطة التي كانت خالية من التفاصيل لأن المطلوب من المشاهد التركيز على ما يقوله سايمن في الهاتف. صرامة وانضباط في داي هارد الثالث نجد أن السيطرة لسايمن غروبر، ويظهر ذلك جلياً في أسلوب مكتيرنان الذي وظف لقطة نرى سايمن فيها يراقب فرق الشرطة من أعلى إحدى البنايات. سايمن أقل ذكاء من شقيقه هانز لكن أشد صرامة وانضباطاً، ولم يشهد فريقه تمرداً داخلياً بعد مقتل بعض أعوانه على يد ماكلين. سايمن رجل حساس وأعصابه باردة ومصاب بجنون العظمة ويتصرف بدافع الانتقام لمقتل شقيقه، نشأ على قيم صارمة جداً شكلت انضباطه. سايمن يستمتع بتعذيب ماكلين بإعطائه ألغازاً يكون حلها طريقة التواصل بينهما. سايمن يعطي اللغز مرة واحدة فقط، ولا يعيده لو طلب ماكلين منه ذلك. الألفاظ النابية لا يستفز سايمن سوى الألفاظ النابية التي لا يتوقف ماكلين عن التفوه بها، لدرجة أنه أغلق الخط في وجهه عندما لم يحتملها. سايمن أقل قسوة من هانز الذي كان يقتل عشوائياً في الجزء الأول، فهدف الأول قتل ماكلين فقط ولا يهتم بالبقية، وكما يقول في أحد المشاهد: أنا جندي ولست وحشاً. وإذا كان هانز يجد حلولاً يلتف من خلالها على ماكلين في الجزء الأول، فإن شقيقه سايمن متقدم بخطوتين أمام ماكلين في الجزء الثالث، ولا تحدث المواجهة بينهما سوى على ظهر السفينة.. بعد فوات الأوان. DVD